المصالحة الفلسطينية هل ستنجح إذا طبق السنوار وعده؟!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
صالح القلاب
عشية وصول رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله إلى غزة، ومعه عدد من كبار المسؤولين الفلسطينيين ووزراء حكومة «الوفاق الوطني» بعد غياب استمر عملياً نحو عشرة أعوام وأكثر، أطلق رئيس حركة «حماس» في «القطاع» يحيى السنوار تصريحاً غريباً هدد فيه بـ«كسر عنق من سيعطل المصالحة بين حركته وحركة (فتح)»، ثم وبعد أن أشار إلى أن حركة المقاومة الإسلامية ستقدم «تنازلات صاعقة» قال: «إننا كنا معنيين بأن يذهب أبو مازن إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة قوياًّ وليس ضعيفاً»... إن هذا كلام جديد ولم يسمعه حتى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) من هذه الحركة.
وفي حين أن البعض اعتبر أن هذه التصريحات التي أطلقها السنوار موجهة إلى مصر التي رعت قبل فترة عملية المصالحة التي لا تزال في بداياتها بين «فتح» و«حماس»، فإن آخرين يرون أن الأرجح أن المقصود بها طرفٌ في حركة المقاومة الإسلامية، وهو الطرف الذي يسود اعتقاد بأن خالد مشعل الذي لا يزال يوجد في الدوحة في قطر هو من يقوده ويوجهه، والذي، أي هذا الطرف، بات انحيازه إلى إيران وتحالفها، الذي يضم «حزب الله» اللبناني ونظام بشار الأسد، واضحاً ومكشوفاً ولا يحتاج إلى المزيد من البراهين والأدلة.
لكن هناك من يرى أن هذه التصريحات، حمّالة الأوجه الكثيرة، مقصود بها القيادي الفلسطيني محمد دحلان الذي كان أُقصي من كل مواقعه في «فتح» والسلطة الوطنية والذي بعد خلاف طويل مع «حماس»، اتخذ طابع المواجهات المسلحة في بعض الأحيان، لجأ إلى التقرب منها والسعي للتفاهم معها لمواجهة الرئيس محمود عباس (أبو مازن) والسلطة الوطنية.
ولعل ما يعزز الاعتقاد بأن السنوار ربما كان يقصد بهذا الكلام الآنف الذكر، الذي هدد فيه بـ«كسر عنق من سيعطل المصالحة بين (حماس) و(فتح)»، بعض مراكز القوى داخل حركة المقاومة الإسلامية نفسها أنه أكد أن حركته قوية و«متماسكة»؛ ولذلك فإنها قد قدمت تنازلات كبيرة في موضوع المصالحة هذا، وأنها ستواصل ذلك... ويجب أن نتعالى على حساباتنا الحزبية.
في كل الأحوال، إنه من المبكر جداً الحديث عن نجاح هذه الخطوة التصالحية، التي يقال إنها فرضت على حركة «حماس»، فهناك تفصيلات كثيرة، والمثل يقول «إن الشياطين تكمن في التفاصيل» وهناك قوى شدٍّ عكسي في الحركتين، وهناك بالنسبة لحركة المقاومة الإسلامية وجهات نظر كثيرة ومراكز قوى متعددة إنْ في الداخل، داخل غزة، وإنْ في الخارج، أي في الدوحة في قطر وفي طهران في كنف ورعاية حراس الثورة الإيرانية، وأيضاً في ضاحية بيروت الجنوبية، وقريباً في دمشق بعد أن تُوجه إلى نفسها انتقاداً ذاتياً لاتخاذها ذلك الموقف الذي أخرجها من العاصمة السورية بتأييد ومساندة «الجيش السوري الحر» والمعارضة «الإسلامية».
لا شك في أن السنوار بهذا الكلام الذي قاله والذي لم يصدر عن أي مسؤول في حركة «حماس» منذ تأسيسها عام 1987 قد فاجأ نفسه وفاجأ معظم قادة هذه الحركة إنْ ليس كلهم، وفاجأ الرئيس محمود عباس (أبو مازن) وحركة «فتح» وكل الفصائل والتنظيمات؛ فالمعروف عن هذا المناضل الكبير فعلاً، الذي أمضى فترة زمنية طويلة من عمره في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، أنه أحد «صقور» هذه الحركة، وأنه من بين الأكثر تشدداً فيها، وأنه ضد اتفاقية أوسلو وضد العملية السلمية وضد الاندماج في منظمة التحرير الفلسطينية.
والواضح أن السنوار، حتى يقول كل هذا الكلام الذي قاله، قد أدرك أن قطاع غزة بموقعه الجغرافي وبتكوينه السياسي والاجتماعي لا غنى له عن مصر، وأن حركة «حماس» قد ارتكبت حماقة قاتلة عندما بقيت تربط نفسها بالإخوان المسلمين المصريين، وعندما خضعت لإملاءات بعض الأطراف الخارجية وبعض الدول العربية وبادرت، بعد إسقاط الرئيس المصري السابق محمد مرسي ونظامه، إلى مساندة التنظيمات الإرهابية الإخوانية التي كانت بدأت بسيناء ثم امتدت لاحقاً إلى بعض المناطق المصرية الأخرى.
وهنا، فإنه غير مستبعد أن السنوار قد خرج من السجون الإسرائيلية متأثراً بالحوارات التي كان يجريها مع زملائه في حركة «فتح»، وفي الكثير من الفصائل الأخرى من نزلاء هذه السجون ولفترات طويلة؛ ولذلك فإنه بعد انتخابه رئيساً لحركة «حماس» في قطاع غزة قد أدرك أنه لا مستقبل لهذه الحركة إنْ هي أدارت ظهرها لمصر، وإنْ هي بقيت خارج الأطر الرسمية الفلسطينية، وأهمها منظمة التحرير والسلطة الوطنية، وهكذا، وبالتالي فإنه عليها أن تغير مسارها، وأن تركز على المشروع الوطني الفلسطيني، وليس على مجرد حكم قطاع غزة.
لكن، وهذه حقيقة يجب أن تقال، أنَّ ليس كل ما يتمناه المرء يدركه؛ فهذا الذي قيل هو مجرد استنتاجات قد تصطدم بمستجدات كثيرة، وقد يثبت أنها لا تستند إلى ركائز صحيحة؛ فالساحة الفلسطينية عودتنا على المفاجآت، والمعروف أن من بين هذه المفاجآت أن حركة «حماس» نفسها قد تخلت عن اتفاقية مكة المكرمة، التي رعاها الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، في عام 2007 ووقعها إلى جانب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خالد مشعل بحضور إسماعيل هنية، بعد أيام قليلة من توقيعها وحيث ثبت أن أمير قطر السابق ورئيس وزرائه كانا وراء ذلك التحول العاجل والسريع، وأيضاً وراء الانقلاب العسكري الدموي الذي قامت به حركة المقاومة الإسلامية في غزة، حيث ابتعد «القطاع» عن الضفة الغربية ورام الله كل هذه السنوات الطويلة.
ثم، وحتى يصبح بالإمكان تصفير الخلافات وإنهاء المشاكل على المستوى الوطني الفلسطيني، كما قال السنوار، فإنه لا بد من أن تنهي حركة «حماس» علاقاتها مع التنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين»، ولا بد من أن تضع حداً لعلاقاتها «المتهورة» مع إيران ومع «حزب الله»، ولا بد من أن تتخلص من الهيمنة القطرية لتصبح تنظيماً وطنياً وتصبح هذه المصالحة، التي لا تزال في بداياتها ليست مجرد نوايا «طيبة» وإنما خيار استراتيجي فعلي، وتصبح منظمة التحرير إطاراً تنظيمياً وسياسياً لكل الفصائل الفلسطينية.
وهكذا، وفي النهاية، فإن هناك مخاوف فعلية وحقيقية من أن كل هذا الكلام الجميل، الذي يقال عن مشروع المصالحة الوطنية، سيبقى مجرد كلام عابر إن لم تقطع «حماس» علاقاتها مع الإخوان المسلمين، وإن هي لن تفك ارتباطها مع إيران وتبقي على مجرد علاقات عادية معها إذا اقتضت الضرورة ذلك، وإنْ هي لن تقبل بالمشروع الوطني الحالي المتمثل بقرارات المجالس الوطنية، وأيضاً إن هي لن تتخلص من تبعيتها لقطر وتوقف سعيها لعلاقات تبعية مع نظام بشار الأسد، مثلها مثل الجبهة الشعبية – القيادة العامة وبعض الفصائل الهامشية الصغيرة التي معظمها مجرد أسماء بلا أي وجود فعلي وحقيقي.