جريدة الجرائد

حيرة العرب السنّة في الاستقطاب السياسي العراقي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

 رستم محمود 

يظهر في الصراع السياسي الراهن، كأنّ العراق يضم جماعتين أهليتين سياسيتين فحسب، هما الشيعة والأكراد. إذ لا يظهر للعرب السنة أي موقف سياسي متمايز عن هذين الخطين وخياراتها. يحدث ذلك، على رغم تمايز مصالح الجماعة الأهلية السنية وقواها السياسية عن التي للطرفين الشيعي والكرد.

في مسألة إجراء الاستفتاء الكردي الأخيرة، وما قد يليها من محاولة للاستقلال، فإن لدى القوى السياسية السنية، انعكاس لإستراتيجية الطرفين السياسيين الآخرين.

القوى السنية المركزية في العاصمة بغداد، بكامل طيفها عدا بعض الشخصيات السياسية المدنية، متماهية تماماً مع إستراتيجية التيارات الشيعية المركزية. فقد وافقت القوى السنية على جميع القرارات والتوجيهات التي صدرت عن البرلمان والحكومة المركزية في شأن الأكراد وإقليم كردستان، كما أنها تصرّح بأنها ستطابق هذه القوى الشيعية مستقبلاً؛ فيما لو اتخذت إجراءات أكثر صرامة. المشكلة ليست فقط أن الطرف السني لم يتمايز في هذه الخطوات عن نظيره الشيعي، بل أساساً لم يساهم في بناء إستراتيجية ورد فعل الحكومة والبرلمان المركزي على الاستفتاء الكردي، فكل شيء أقرّ من القوى الشيعية الرئيسية الثلاث، ولم تفعل الأحزاب السنية سوى الموافقة عليه، وصارت تروّج للأمر وكأنها من خط هذه الإستراتيجية.

على النقيض تماماً، فإن ملايين العرب السنة المهجّرين من مناطقهم المدمرة إلى إقليم كردستان العراق، وتعبيراتهم السياسية والاجتماعية والمدنية، أظهروا تفاهماً وتعاطفاً أكثر مع المسعى الكردي الجديد. ليس فقط لأنهم ذاقوا طوال السنوات الأخيرة مرارة تحول النِظام السياسي العراقي نحو السلطوية الطائفية، بل أيضاً لأن أحوالهم ستتدهور في حال حدوث صِدامٍ عسكري بين بغداد وإقليم كردستان العراق، أو حتى لو اختصرت الإجراءات العقابية على الحصار الاقتصادي والجوي ومنع المساعدات.

بين الحالين يعاني العرب السنة في المناطق المتنازع عليها من أسوأ أشكال الحيرة بين الطرفين. فهم يعرفون أن مصيرهم سيكون مطابقاً لأحوال ذويهم في بقية مناطق المثلث السني، فيما لو حاولت السلطة المركزية الهيمنة على مناطقهم بالقوة العسكرية. أما لو وقفوا إلى جانب المسعى الكردي، فإن الأمر يعني ببساطة أنهم أصبحوا جزءاً من إقليم كردستان العراق، وبذا ينقطعون عن بيئتهم وامتدادها السكاني الجغرافي والسياسي.

على أن كل التوجّهات السياسية السنية قد تؤدي في شكل ميكانيكي إلى ما هو نقيضها تماماً، ولو بعد حين. فمسعى القوى السنية المركزي إلى أن تتماهى مع نظيرتها الشيعية، سيؤدي في شكلٍ طبيعي لأن يضعف الطرف الكردي في المعادلة الداخلية العراقية، وهو سيضاف الى نظيره السني المهمش بالأساس. وبهذا المعنى فإن العراق سيتحول إلى دولة محكومة من الشيعة، من دون الحاجة الى أي توافق مع أي طرف آخر، وبالذات السنة. غير بعيد عن هذا السياق، فإن تحطيم الأكراد سياسياً سيعني خضوع العراق كله سياسياً للنفوذ الإيراني، وهو أمرٌ لن يكون في مصلحة العرب السنة أولاً.

على أن القوى السنية المركزية نفسها، في ما إذا فعلت العكس، فهي ستخضع لابتزاز سياسي من الأطراف الشيعية، وستتهم بالمشاركة في التخطيط لتقسيم العراق. سيشكل ذلك العتبة التي تشرعن المزيد من تحطيمهم السياسي والفعلي. الآلية نفسها، وإن معكوسة، تصحّ على المهجرين العرب السنة في إقليم كردستان العراق، أو الذين يعيشون في المناطق المتنازع عليها.

ثمة انتخابات برلمانية عراقية في ربيع العام المقبل، حيث من المتوقع أن تزيد من شرخ المجتمع السياسي السني. فقوى الحشد الشعبي المحافظة على هيمنتها في غالبية مناطق السنّة، وبالذات على من بقي منهم في العاصمة بغداد، فإنها ستسعى إلى أن تصعد شخصيات سياسية سنية موالية لها فعلياً ومباشرة، لتتخلص من الحيز، ولو الضئيل، الذي كانت القوى السنية البرلمانية الحالية تسعى إلى أن تتمايز وتعترض فيه على سلطوية الأحزاب الشيعية.

من طرفهم فإن ملايين العرب المهجرين من العرب السنة، الذين دمرت بيئتهم السكانية ومكانتهم الرمزية، لو سمح لهم بالتصويت في مناطق هجرتهم كما هو متوقع، فإنهم سيصعدون قوى وشخصية معارضة جذرياً لمسعى الهيمنة على خياراتهم السياسية أو الإستراتيجية، التي تتقصّد تحويل العراق إلى جغرافيا طائفية تابعة لإيران.

بهذا المعنى، فإن التشظّي السنّي المجتمعي والمناطقي، سينتقل ليصبح سياسياً ومؤسساتياً في شكل واضح. ستكون للسنة كتلتان نيابيتان متباينتان، وسيحاول التيار الشيعي الحاكم منح حلفائه من السنة كل المواقع والمنافع المتحاصص عليها، شريطة أن ينشغلوا بالطرف السني المناهض لهم، وبذا ستختفي قضايا ومصالح وأحوال العرب السنة ضمن هذا الصراع البيني «المصطنع».

ليس في العراق اليوم شخصية أو تيار أو حزب سياسي واحد مجمع عليه من طيف اجتماعي عابر لهذا الاستقطاب، أو للاستقطاب الإقليمي والدولي النظير. فحال السنة العراقيين سياسياً نتيجة موضوعية لعدم التزام تركيا تعهدها في خلق توازنٍ مع إيران في المعادلة العراقية. كما أنهم يدفعون ثمن رفضهم المديد لواقع الدولة العراقية الجديدة، وبذا حصل التأخر في بناء نخبة سياسية وأخرى عسكرية وأمنية منخرطة في الدولة العراقية الجديدة.

على أن هذا المسار في التأخر السنّي، ترافق مع تسارع وتيرة نزوع الطرفين الشيعي والكردي لتقاسم السياسة ومناطق السيطرة الجغرافية والهيمنة السياسية، في وقتٍ كانت تتراجع أحوال العرب السنة إلى مزيد من الهشاشة في كل تلك التفاصيل، حتى أنهم صاروا يظهرون في القضية العراقية «الوجودية» الأخيرة وكأنهم غير موجودين سياسياً، وأغلب الظن أنهم سيدفعون ثمن ما ستستقر عليه التوازنات الجديدة.

 

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
أفيقوا يا عرب
عراقى أصيل -

إن الدستور العراقى الحالى هو سبب تفشى الطائفية والإثنيةفى العراق وهذا كان أمراً متعمداً لأنه يخدم مبدأ (فرق تسد) فطريقة تقسيم المجتمع العراقى تمت بطريقة خبيثة فلا هى على طريقة قومية ولا هى على طريقة مذهبية . فلو أن الأمر تم على أساس عرقى لكان هنالك قومية عربية ذات الأغلبية ومن ثم الأكراد والتركمان وقوميات أخرى بنسب متفاوته ولظل الوجه العربى للعراق مشعا بين أشقاءه العرب كعادته منذ القدم حتى سمى ب (جمجمة العرب) . ولو أن الأمر تم على أساس دينى لكان هنالك مسلمون هم الأغلبية ومعهم مسيحيون وأديان أخرىبنسب متفاوتة . ولو أن الأمر تم على أساس مذهبى لكان المذهب السنى هو الأغلبية (لأنه سيجمع العرب والأكراد السنه) . إذن أين يكمن الإثم والجرم والتآمر في كتابة هذا الدستور الذى دمر العراق هو جعل العرب فقط مقسمين مذهبياً مقابل تقسيم الكرد قوميا فقط ، فكيف يستقيم مثل ذلك التقسيم فى سلة واحدة ، ما حدث للعراق فيما بعد يفسر أبعاد تلك المؤامرة على عروبة العراق وذلك بجعل الشيعة موالون للفرس وسط تنازل معظم قبائل وعشائر جنوب العراق عن عروبتهم وتقديم فروض الطاعة والولاء لدولة معادية للعروبة على مدار التاريخ وإستجابة لأوامر مرجعهم الأعلى السيستانى الذى لا تجري قطرة دم عربى فى عروقه ولا أدرى لم لا يكون المرجع عراقيا وعربيا لتكون عنده غيرة على وطنه وأمته . ولذلك تم البطش بالعرب السنة بلا هوادة وهاهم فى إيران وعلى لسان وزير دفاعهم يعلن بكل كبرياء وغطرسة إتمام الإستحواذ على العراق وسوريا ولبنان واليمن ، وها هم اعرب السنة يعيشون لاجئين بالخيام بين مدن الأكراد بعد أن هجروا من مدن العرب السنة فى مؤامرة تغيير بشرى(ديموغرافى) غير مسبوقة فى العالم كله ووسط صمت مطبق من جامعة الدول العربية !! ومنظمة التعاون الإسلامى ولا زال وزراء حكومة العراق الطائفية يتم الترحيب بهم ولا أحد يطلب منهم توضيحا لما يجرى هناك وإرسا ل بعثات تقصى إلى العراق لمعرفة حقيقة ما يحدث. أما الكرد فهذه فرصتهم بالقول إذا كانت حكومة بغداد تقوم بهذا الفعل المشين بقتل و تهجير أخوانهم العرب فكيف سيكون الحال مع الكرد السنة ؟؟ وكل ذلك يتم وحسب أوامر الحرس الثورى الإيرانى لأنهم أعتبروا كل عربى سنى هم من أتباع صدام حسين وزادوا إنه أيضاً ثأراً للحسين ورفعوا راية الثأر ياحسين وأصبح قتل العرب السنة أمراً مقدساً وسيدخلهم الجنة.