مخاطر رفض الربط بين «نووي» إيران وسلوكها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إياد أبو شقرا
«ما هو التفاوض سوى مراكمة عدد من الأكاذيب الصغيرة التي تنتهي بأفضلية لطرف على آخر؟»
(فيليكس دينيس)
حبس المتابعون أنفاسهم أمس بانتظار الموقف الذي سيتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترمب إزاء الاتفاق النووي المعقود بين القوى الغربية (ومعها روسيا والصين) وإيران، وهو الاتفاق الذي يُرمز إليه بعبارة «خطة العمل الشاملة المشتركة». ومع أن تصريحات وتسريبات سابقة أعطت صورة تبيّن أنها صادقة لما قرّره، كان موقف ترمب مهماً لدرجة أنه استفز ردّات فعل سريعة.
في الشرق الأوسط، المنطقة المعنية مباشرة بخطط إيران النووية، كان الانقسام واضحاً. شهدنا تناقضاً بين رفض استنكاري من الرئيس الإيراني حسن روحاني، وترحيب مطلق من الدول العربية المتضررة، ليس فقط من طموح طهران النووي، بل أيضاً من استغلال طهران سكوت المجتمع الدولي عن ذلك الطموح... لكي تتمدّد وتتوسع بفضل ميليشياتها وأسلحتها التقليدية.
في الشرق الأوسط، وبالذات، في منطقة الخليج، ثمة خطران جدّيان يشكلهما مشروع الهيمنة الإيراني، وبضمنه الاتفاق النووي، الأول سياسي، والثاني نووي.
الخطر السياسي ظاهر في التأجيج المذهبي المسلح الذي ترعاه طهران وتدعمه، سواء عبر تنظيمات لديها سيطرة فعلية على الأرض، كحال فصائل «الحشد الشعبي» في العراق وميليشيات «فاطميون» و«زينبيون» و«حزب الله» في سوريا ولبنان وجماعة الحوثي في اليمن، أو عبر زمر تمارس الإرهاب والعمل السرّي التحريضي كما نرى في البحرين ودول خليجية أخرى، ناهيك من بعض الدول المغاربية.
ثم إن الحرس الثوري الإيراني، الذي يلعب دوراً محورياً اليوم في حياة إيران السياسية والأمنية والاقتصادية، أعلن ويكرّر الإعلان صراحة عن تدخّلاته، بل وسيطرته على أربع عواصم عربية. ولا يفوّت قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري، فرصة لا يظهر فيها على الملأ وهو يتفقد الجبهات في سوريا أو العراق، مع أنه نظرياً مطلوب وملاحَق دولياً!
أما الخطر النووي - بوجهه العلمي البحت - فلا يقل خطورة. ذلك أن له بُعداً جيولوجياً - سيزمولوجياً يتصل بسلامة منطقة الخليج، خصوصاً أن إيران تقوم على فوالق وعقد زلزالية غاية في الخطورة، كما أن عدداً من المفاعلات والمرافق النووية الإيرانية موجود في أماكن معرّضة للزلازل. وإذا ما تذكّرنا المسافة القصيرة التي تفصل ميناء بوشهر، حيث توجد منشأة نووية مهمّة، عن شواطئ شبه الجزيرة العربية، يصبح بإمكاننا تخيّل حجم الكارثة المحتملة من أي تسرّب يتسبب به زلزال كبير على غرار ما حدث مع مفاعل فوكوشيما، بشمال اليابان، عام 2011.
أكيد، لحكومات ألمانيا وفرنسا وبريطانيا كل الحق أن تعارض خط واشنطن السياسي أو تؤيده. إلا أن إصرارها على الدفاع عن الاتفاق النووي يقوم في جزء كبير منه على المصالح والاستثمارات الاقتصادية.
هذه الحكومات، بدفع من الشركات والمصارف الساعية إلى اقتحام السوق الإيرانية ذات الـ90 مليون مستهلك، لا تريد الاعتراف بوجود تلازم بين الاتفاق وإطلاق يد نظام طهران في قمع المعارضة الإيرانية في الداخل. ولا يهمها تصاعد التدخلات الإيرانية في الدول العربية المجاورة... وهي تدخلات أسهمت في أزمتين هما: أزمة اللجوء التي عانت وتعاني منها دول أوروبا الغربية والوسطى، وأزمة نشوء إرهاب متطرف يرفع شعارات إسلاموية «سنيّة» رداً على شعارات طهران الإسلاموية «الشيعية».
اليوم وفق إحصائيات موثقة، ارتفعت صادرات إيران إلى دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 375 في المائة بين عامي 2015 و2016. كما استثمرت الشركات الأوروبية بكثافة في السوق الإيرانية البكر، وثمة تطور في التسهيلات المصرفية الذي يواكب هذا المد من الاستثمارات الواعدة.
ومن ثم، فإن موقف حكومات الدول الثلاث الشريكة في الاتفاق النووي، يشبه موقف إدارة باراك أوباما التي رعت إعادة تأهيل نظام طهران، ووجدت له الأعذار، وراهنت على جعله شريكاً وحليفاً في الشرق الأوسط. وهي مثل الإدارة الديمقراطية الأميركية تتعمد المعاملة مع الاتفاق النووي على أساس الفصل الكامل بين التقنية النووية والسياسة.
لا تريد هذه الحكومات أن تقرّ بأن إيران تحتل المرتبة الثانية عالمياً خلف الصين (والأولى بالنسبة لعدد سكانها) في عدد الإعدامات، وأن العديد من حالات الإعدام ذات طابع سياسي، وتتصل غالباً بالأقليات العرقية والمذهبية. ولا تريد هذه الحكومات التي تدّعي الحرص على حقوق الإنسان إدانة سجل نظام طهران السيئ، بما فيه التعامل مع شخصيات كانت من ضمن بيئة النظام نفسه، مثل رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي ورئيس البرلمان السابق مهدي كرّوبي، كي لا نعود إلى الوراء للإشارة إلى أبو الحسن بني صدر أول رئيس لـ«الجمهورية الإسلامية» المقيم منفياً في فرنسا.
ولا تريد هذه الحكومات - التي تستخدم ذرائع أوباما ذاتها في حصر مواجهتها لـ«الإرهاب الإسلامي» (أي السنّي، حصراً) - أن تقرّ بوجود دور نشط لطهران، حتى في تغذية عدد من التنظيمات السنّية المتطرفة في مختلف بقاع العالم، أو التعاون الوثيق معها، بما فيها «القاعدة».
برلين وباريس ولندن تريد منا الاقتناع بـ«منطق» جون كيري، وزير الخارجية الأميركي السابق، الذي كان يكرّر إبان فترة وضع اللمسات الأخيرة على المفاوضات مع إيران أن «التفاوض محصور بالشأن النووي ولا يتطرّق إلى جوانب أخرى». وهو «المنطق» الأعوج نفسه الذي كرره كيري بالأمس رداً على رفض ترمب «إجازة» الاتفاق النووي، والتشدّد في ملاحقة تجاوزات الحرس الثوري (بمختلف فروعه وتوابعه) بعد تناوله دوره التخريبي في الشرق الأوسط ومختلف أنحاء العالم. وكما نعلم، فإن «الجوانب الأخرى» التي عناها المستر كيري، والتي غضّت «واشنطن أوباما» النظر عنها عمداً حينذاك، هي التدخل الإيراني السياسي والعسكري والاستخباراتي في الدول العربية.
ختاماً، الحكومات الأوروبية الثلاث التي تدّعي ممارسة السياسة الأخلاقية في ترحيبها باللاجئين من الشرق الأوسط، بإمكانها فعل ما هو أفضل من ذلك سيراً بالحكمة الشهيرة «درهم وقاية خير من قنطار علاج».
«درهم الوقاية»، بكل بساطة، هو كبح جماح آفات التطرّف والتدمير والأحقاد التي تولّد الإرهاب وتغذيه.