ليس رداً
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
تساورني الرغبة الضعيفة، بين حين وآخر، في الرد على ما تعرضت له في الماضي، من ظلم وافتراء وجور. ثم أتراجع، مقنعاً نفسي أن الزمن قد طوى الكذب وصان الحقيقة، فلماذا تترك للثأر أن يصغّرك بدل أن تترك العفو يرفعك.
وتمر الأيام من جديد، وتفور الذاكرة بآلام الظلم. أحياناً أفراد، لا أعرفهم ولا يعرفونني، وأحياناً أهل مهنة فاشلون لم يعلق عليهم نجاح، فاستعانوا على الغير بالنميمة، وأحياناً شلة بكاملها، فتحت عليّ جبهة يومية، مثيرة للشفقة والحزن.
ذات مرة كتبت في هذه الزاوية، كعادتي، وبكل بساطة، أسارر قرائي وأحبائي، فشكوت من تصرف لمدير التحرير. وسارع زعيم المفرزة يكتب في مطبوعة لندنية متخصصة بالكتّاب والقراء المشابهين، أن الجريدة على وشك إقالتي. وكان هذا قبل ثلاثين عاماً. والذي حدث أن الرجل أقال نفسه من الكتابة، هو وجميع أفراد الشلّة، بعدما أغلقوا بأفكارهم جميع المطبوعات المشابهة.
أحياناً أتساءل، هل خطر لأولئك السادة – والسيدات – بعد كل هذا العمر، أن يتوقفوا أمام ضمائرهم؟ هل تساءلوا عن صحة تهمة واحدة مما أطلقوا؟ عن إشاعة رديئة واحدة، مما أشاعوا؟ هل يشعرون بأي ندم أو خجل، عندما يتذكرون مدى رخص المجانيات التي لم تحط مني بوصة، ولا رفعت بهم أنملة؟
هذه مهنة تكثر فيها الثرثرة. والثرثرة جزء لطيف من الكسل في الحياة. لكن المشكلة عندما تتطور الثرثرة، عند محترفيها، إلى افتراء وأذى وضرر. عندها يجب أن تخاف على الثراثرة من شرور أمراضهم. لا بد أن الإنسان، مهما أراد أن ينسى، أنه يتذكر شيئاً من أفعاله وأقواله ونواياه. وأنا أتمنى لهؤلاء جميعاً هبة النسيان، لأن جزءاً من ذاكرة المعتدين، سوط في الليل ورأس محني في النهار.
لا يكفي أن نبرر أن اللؤم والاعتداء والحسد طبع في البشر. فالأسوأ هو ألا تحاول ترويض هذه الطبيعة، وإلا سوف تجد نفسك، في النهاية، غارقاً في آثام نفسك، وحيداً إلا من ذكريات الأذى والأسى والاختلاف والتلفيق.
والحياة أحب وأرفع من ذلك. وسعيد من يحالفه الحظ فيندم. والندم لا يعوض الكذب، لكنه مهدئ مؤقت وشيء من الإعفاء. أما العفو نفسه، فاتركه للنفس غير الصغيرة.