«شعوب سوريا»؟!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
تبدو الأشياء في الوهلة الأولى بعيدة التصديق. ثم تعتاد الناس عليها. ثم تتحول إلى حقائق. وعندها، لا بد أن يتحول الناس إلى واقعيين. والذي يفرض الوقائع هو من يفرض الحقائق. وفي هذه الحالة هي روسيا.
وفي روسيا تقسم الحقائق على أقسام: مساعد وزير الخارجية، فالسيد الوزير نفسه، فالسيد الرئيس. وعندما يتحدث الرئيس عن الحقائق الجديدة، يكون الأمر نهائياً. «مؤتمر شعوب سوريا» الذي دعا إليه السيد بوتين من سوتشي، هو استكمال «لمناطق خفض التصعيد» وبعد إضافي لتصريح وكيل وزارة الخارجية سيرغي ريابكوف عن سوريا اتحادية في مارس (آذار) الماضي.
«شعوب سوريا» مصطلح يذكّر بـ«شعوب روسيا الاتحادية» التي ظهرت بعد «الاتحاد» السوفياتي. والمصطلح مضاد للفكر العربي برمّته، لكن الرئيس الروسي يحاول أن يوقظنا إلى ما نرفض، أو نخجل أن نراه، وهو «المناطق» التي قامت في سوريا، والعرض العسكري الذي قامت به مجندات الحزب الديمقراطي الكردستاني في الرقة.
وكان الانطباع السائد في العالم أن عبد الله أوجلان وحزبه رعاية روسية دمشقية، فإذا الحلف في الرقة أميركي بجميع المظاهر والمعدات والجهر. ويبدو الآن أن باب المفاجآت قد فتح على مصراعيه من أجل أن تتفق المعارضة والحكومة على الحل، بدل الغرق في النقاش العبثي، كما يقول بوتين.
الرئيس الروسي لم يرَ العالم من المنظار السوري وحده، بل من إطار النزاعات القائمة في كل مكان: كوريا الشمالية وكاتالونيا وأوكرانيا وليبيا، وأيضاً في الخلاف مع الولايات المتحدة. وقال إن متغيرات عالم اليوم سريعة جداً، واصفاً أميركا بأنها «الأخ الأكبر». ويا لها من متغيرات. «فالأخ الأكبر» هو اللقب الذي أطلقه جورج أورويل في روايته «1984» على الاتحاد السوفياتي ونظامه المخابراتي.
إلى ماذا يمهد الرئيس الروسي؟ ليس إلى حل وشيك، بل إلى مرحلة تالية. وقد سمّى جميع الدول المعتمدة في الوصول إلى التسوية، فيما أرسل وزير دفاعه إلى إسرائيل. لقد دخلنا المرحلة الأكثر تشابكاً وعقداً: مرحلة احتساب الخسائر والأرباح. ومرحلة صياغة التوافقات والاتفاقات. والصياغة هي المرحلة الأكثر أهمية، لأنها إلزام تاريخي. ومن هنا تبدو مصطلحات وتعابير بوتين أبعد من مجرد مفاجأة سياسية.