الاقتصاد أم الأيدولوجيا؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبدالعزيز السماري
راهنت روسيا في ثورتها الشيوعية على الأيدولوجيا وخسرت الحرب الباردة، بينما كسب الغرب المعركة الطويلة بسبب تطبيقات الاقتصاد الحرّ، فالاقتصاد والأيدولوجيا ضدان لا يجتمعان في مركب واحد، وعلى المجتمعات المتخلفة عن الركب أن تختار إما الصراع على الثروة خلف الكلمات والأفكار، أو التعامل مباشرة مع أدوات وأرقام الاقتصاد بدون وسطاء أو أقنعة.
كان ظهور الرأسمالية منذ بداية القرن السادس عشر إيذاناً بخروج الإنسان التدريجي من علاقاته الفاسدة بالإقطاع والأيدولوجيا، والرأسمالية نظام اقتصادي ذو فلسفة اجتماعية وسياسية تقوم على أساس تنمية الملكية الفردية والمحافظة عليها في أجواء من الحرية المكفولة، وتزداد أهمية مفهوم الملكية الفردية حيث يفتح السوق المنافسة بين الأفراد لاستغلالها بكفاءة.
ومن أجل نجاح المجتمع الاقتصادي فلا بد من تصحيح البيئة الثقافية والسياسية، وبالتالي وضع التشريعات التي تؤدي إلى الحياد التام في مجتمع الاقتصاد والإنجاز، بالتالي ورفع مستوى الكفاءة في الحفاظ على الثروات والمكتسبات والعلامات التجارية، ومن أجل الوصول إلى هذه المرحلة يتطلب الأمر جرعات عالية من التعليم وثقافة العمل.
لعل العامل الأكثر كفاءة هو جعل الثروة المالية ثمرة للنجاح في مشوار العمل والإنجاز، وهو ما يعني حفظ الحقوق والأفكار، وذلك من أجل فتح الباب على مصراعيه لأولئك الذين يستطيعون تحقيق الأحلام في أوطانهم، وقد كان ذلك عنواناً مثيراً في النجاحات الاقتصادية الغربية، وكان ستيف جوبز آخر عمالقة ماراثون النجاح والانطلاق من الصفوف الخلفية إلى المقدمة بسبب قانون الحياد في الاقتصاد الحر.
تقوم فلسفة الاقتصاد الحر على الملكية الفردية وذلك بمنح الإنسان الحرية لتطويع قدراته في زيادة ثروته وحمايتها وعدم الاعتداء عليها وتوفير القوانين اللازمة لنموها، و يكون عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية إلا بالقدر الذي يتطلبه النظام العام وتوطيد الأمن.
في تاريخ الرأسمالية حدثت بعض الإصلاحات، واضطرت الدولة إلى التدخل في تعزيز خدمات المواصلات والتعليم ورعاية حقوق المواطنين وسن القوانين ذات الصبغة الاجتماعية، كالضمان الاجتماعي والشيخوخة والبطالة والعجز والرعاية الصحية وتحسين الخدمات ورفع مستوى المعيشة.
كان الغرض من التوجه الإِصلاحي الجزئي بسبب ظهور طبقة العمال كقوة انتخابية في البلدان الديمقراطية وبسبب لجان حقوق الإِنسان، وجاء الإصلاح لوقف نمو الأفكار والأيدولوجيات المناوئة لنظرية الاقتصاد الحر بين العمال، ونجحت تلك الإصلاحات في تطويق المجتمع وحمايته من سموم الأيدولوجيا.
تبدو الصورة في غاية الكمال عند متابعة الأجواء السياسية في أوروبا الغربية، فالخطاب السياسي يتمحور حول الاقتصاد والرفاهية وحقوق الإنسان، وتظهر نتائجة في حالة الرخاء والاستقرار الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية.
لكن ذلك لا يعني طمس الهوية، فالهويات الأوروبية لازالت قائمة وحيوية، ولم تؤثر فيها التطورات في التطبيقات الاقتصادية وحرية الفرد، لكن الاختلاف أنها لم تعد خلفية في الطرح السياسي، فالمجتمع لم يعد يحتاج إلى ثقافة الترويج والتحريض من أجل المحافظة على هويته.
لا خيار أمام المجتمعات العربية غير الالتحاق بالركب الحضاري، فالإنسان كائن قائم بذاته، ولا يحتاج من أجل العيش إلى أن يكون جندياً على رقعة شطرنج، ويكون مصيره التصفية في أول مواجهة صراع حول الثروة والسلطة.
من أجل أن نعي كفتي المعادلة علينا أن نكشف بيانات وشروط تكوين الثروات الضخمة في المجتمع الشرقي، وما هي الوسيلة الأكثر جدوى في الانتقال من عالم الفقر إلى عالم الثراء، وهل كان العمل والإنجاز والابتكار، أم كانت نتائج طبيعية لوسائل أخرى وتوظيف الأيدلوجيا غير المباشر في الحياة العامة.