إيفلين ريشار تتقاعد... سيّدة الإليزيه في كلّ العهود
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
رندة تقي الدين
تغادر قصر الرئاسة الفرنسي إيفلين ريشار التي وصفتها وسائل إعلام بأنها «سيدة الظل» في الإليزيه، بعدما عملت مع جميع الرؤساء بلا انقطاع منذ عهد الرئيس الراحل جورج بومبيدو.
هذه السيدة الأنيقة التي تتولّى تنظيم الوفود الإعلامية المواكبة للرئيس الفرنسي أينما ذهب والتي تعد لاستقبال الوفود الاعلامية التي تواكب ضيوف الرؤساء الذين خدمت في عهودهم، وصلت الى القصر الفرنسي قبل 48 سنة مع بومبيدو بعد تخرجها في جامعة السوربون العريقة وحصولها على دكتوراه في الحقوق. عام 1969، عُرض عليها ان تشارك في الحملة الانتخابية لبومبيدو، ثم تولت في عهده مهمة تنظيم تنقلات الوفود الاعلامية المواكبة لزياراته الخارجية. فكانت تهتم بتنظيم المؤتمرات الصحافية للرئيس وتجهيز قاعات عمل الصحافيين.
وبقيت ريشار في عملها مع جميع الرؤساء من اليميني جيسكار ديستان ثم الاشتراكي فرنسوا ميتران والديغولي جاك شيراك ثم نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، حتى تقاعدت في عهد الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون. وريشار التي لم تفارقها الابتسامة اللطيفة مع الشخصيات والإعلاميين، جدية وقاسية عندما تواجه أموراً صعبة في دول يزورها الرئيس ووفوده الإعلامية. وكانت دائماً تحرص على تسهيل عمل الصحافيين المرافقين على كل الأصعدة.
وقلما تراها ترتاح خلال الزيارات الرئاسية، إذ إنها منذ الصباح الباكر تبدأ عملها وهي مرتدية ألبسة أنيقة، علماً أنها لم تهمل منظرها الخارجي البتّة.
هذه السيدة تغادر القصر على رغم أنه كان يمكنها الاستمرار في عملها لأن طاقتها وخبرتها لم تتأثرا بسن التقاعد، ولكن فريق ماكرون يريد تغيير كل شيء وإن كان الكل يعترف بمهنيتها. وريشار أيضاً مالكة أسرار الرئاسة، فهي عاشت في القصر وشهدت القمم في قصور فرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين. زارت السعودية والإمارات ودول الخليج ولبنان ومصر وسورية ودولاً أخرى. تعرفت إلى جميع الملوك والرؤساء ورؤساء الحكومات الذين زاروا فرنسا. صافحت كبار العالم من شاه إيران إلى الملكة إليزابيث وصولاً إلى رؤساء اميركا من بيل كلينتون وجورج بوش إلى باراك أوباما. وفي البيت الأبيض، حرصت على أن تكون معاملة الوفود الصحافية المرافقة للرئيس مثل معاملة الصحافة الأميركية. ويصفها صحافي في مجلة «فانيتي فير» بأنها «امبراطورة الإليزيه». وعلى رغم أنها تملك أسراراً كثيرة، فهي لا تبوح بها لأن طبيعتها متكتمة ومتواضعة. فعندما تقول لها «ايفلين عليك أن تكتبي مذكراتك» تبتسم غير مقتنعة بهذا المشروع.
قلدها جاك شيراك وسام جوقة الشرف برتبة فارس وفرنسوا هولاند قلدها الوسام نفسه برتبة ضابط... مرت عهود الرؤساء وبقيت إيفلين ريشار في الإليزيه، حتى قال نيكولا ساركوزي إنها تمثل استمرار الدولة. لكن ايفلين تعرف أيضاً كيف تنصح الصحافيين أينما كانوا في العالم كيف يمضون أوقات فراغهم. فهي تعلم أفضل الأماكن التي يمكن زيارتها من مطاعم وأسواق ومتاحف... ولا ننسى أنها زارت معظم بلدان العالم خلال جولات الرؤساء أكثر من مرة.
وعلى رغم ساعات الطيران التي أمضتها في عملها رحلاتها الكثيرة، يفاجأ المرء بأنها تخاف المطبات الهوائية خلال السفر بالطائرات التي تمثل بيتها الثاني. وفي أي دولة كانت، تراها تتصرف بالجدية ذاتها، فلا فرق بالنسبة إليها إذا كانت في واشنطن أو بكين أو بيروت. وتجدر الإشارة إلى أن ماكرون لم يعين مكانها شخصاً آخر، بل أبلغ فريقه بأن الملحقين الصحافيين سيقومون بمهمات ريشار التي كانت «تمثل نموذجاً لم يعد موجوداً»، كما قال قصر الإليزيه.
لكن الصحافيين المعتمدين في الرئاسة الفرنسية سيفتقدون هذه السيدة التي كانت صديقة كثر منهم. والخسارة كبيرة لأنها تمثل النظام والفعالية في إعداد الزيارات الرئاسية واستقبال الوفود. وعندما تسألها من هو الرئيس الذي فضلت العمل معه، لا تبوح بسرها، وإذا سألتها عن سيدة القصر الحالية بريجيت ماكرون، تجيب باحترام ومودة: «إنها لطيفة جداً وقد أضافت إلى القصر الرئاسي روح المرح والبساطة في ظل أجوائه الصعبة».
وقريباً، تكرّم الصحافة الرئاسية إيفلين ريشار في قصر الإليزيه لعملها المتفاني في خدمة الإعلام لنحو نصف قرن. وقد حيتها مقالات عدة في «لو فيغارو» و «باري ماتش» و «لو باريزيان» و «فانيتي فير» و «ليكسبريس» لأنها مثلت الجانب الأفضل في الإليزيه عل مرّ العهود.