جريدة الجرائد

كيف نتجاوز الأفكار الخاطئة لنتقدم

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ميسون الدخيل      

الكثير منا حين يتحاور يبدأ بـ«لا أدّعي الكمال»، أو «أنا لستُ كاملا»، ولكن عند المواجهة مع فكرة أو معلومة جديدة تتناقض مع ما لديه تجده يتشبث بما عنده، كما لو أنه المخترع أو المنظّر، وفي حقيقة الأمر هو كذلك! لأنه طالما دخلت التركيب الفكري لديه أصبحت جزءا منه، وعليه فإنه يتعامل معها على أساس أنها خاصة به، تمده بذلك التوازن الفكري الذي تحدث عنه بياجيه (equilibrium)، وأي شيء جديد يحدث خللا في هذا التوازن  سوف يقابل بالمقاومة، إذًا كيف يمكن أن نعمل على تغيير الأفكار الخاطئة لدى البعض، خاصة الطلبة والتلاميذ دون أن نكون في موضع الغريم أو الآخر الذي يتعدى على ما لدى الفرد من أفكار؟ 

لماذا موضوع الأفكار الخاطئة (misconception) هام في حياتنا، وتجب معالجته ليس فقط في مجال التعليم والتعلم، ولكن أيضا في الحياة العادية؟ لنبدأ بسؤال أنفسنا أولا: هل كل منا يفهم الحياة حقا، بكل ما تحتويه من معان ومفاهيم ومتغيرات؟ نعم نحن نحاول دائما أن نفهم على الأقل لنتأكد أننا نسير في الطريق الصحيح، ولكن هل سبق أن فكرنا بأننا ربما نسير في الطريق الخطأ؟ 
سوف أعطيكم هنا بعض الأفكار الخاطئة كأمثلة: نقول «الأول هو الأفضل»، وننسى الجودة في المنتج أو المجهود أو حتى من طوّر الفكرة وجعلها أكثر استخداما رغم أنه قد يكون الأخير، «الناجح يحارَب» ألا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك، وأنت فعلا تتسبب في مشاكل في العمل أو في محيطك! هل فكرت أنه من الممكن أن يكون الخلل في التوقيت أو التواصل أو إيصال الفكرة؟ «نحن نعيش مرة واحدة فقط» خطأ، نحن نعيش كل يوم، ونموت مرة واحدة فقط، وعليه فالفرص أمامنا كثيرة، وأيضا علينا الاهتمام بما نقدمه ونقوم به من أجل آخرتنا أيضا، ولا نضيع حياتنا في التسلية، وما تضييع الوقت والمجهود إلا لأننا نرى أننا نعيش مرة واحدة فقط! «الوحدة قاتلة»، الوحدة تفيد في إعادة التفكير والتأمل وتقييم الذات وبنائها والتعايش مع النفس، فإن لم تكن سعيدا مع نفسك فكيف ستكون سعيدا مع الآخرين من حولك؟! «الأمور ستتحسن» خطأ، الذي يجب أن يتغير ويتحسن هو أنت حتى تتحسن الأمور من حولك، فلا تتجمد وتنتظر، فالشيء الوحيد الذي يجب أن تركز عليه هو أن تكون أنت أفضل مما كنت عليه بالأمس. «نحن محاطون بالأغبياء»، قد تكون أنت أحدهم، كيف تسمح لنفسك بالحكم على الآخرين، والتقليل من شأنهم، وتتوقع أن يكون التفاعل إيجابيا؟! وتذكّر قول الشاعر: «إنّ البَعوضةَ تُدْمِي مُقْلَةَ الأسدِ»! «الطموح هو أن تتسلق سلّم النجاح»، الطموح هو ما يتملكك خلال المسيرة، قد تصل وقد لا تصل إلى المال أو الشهرة أو المركز، لكنه عبارة عن دافع داخلي، فإن لم تصل فلا يعني أنك فاشل، ثم تتوقف! «الفرح له ثمن»، بالطبع يجعلك تخاف أن تفرح لأنك بالتأكيد ستدفع الثمن! الفرح والبهجة أمر في منتهى السهولة، ويبدأ برسم ابتسامة وقرار بداخلك أنك سوف تكون سعيدا، سعيدا بقراءة كتاب مفضل لديك، سعيدا بالتواصل مع من تحب، سعيدا بزيارة ما. المهم أن الأمر راجع إليك، وليس إلى جيبك!
وأخير وليس آخرا «الحياة غير عادلة»، رب العالمين عادل ومطلع، ولن يخذلك، أما ما يجري في الحياة فهو غير عادل، نعم غير عادل، ومن غير العدل أن تفكر بأنها عادلة، فكيف إذًا نتعلم الدروس والمواعظ، ونقوى على مواجهة التحديات، بل نتحفز على الانتصار عليها؟! حياة بلا تحدّ حياة مملة بلا محفزات ولا تعلم ولا تطوير للذات. بالطبع لم أتطرق لكثير من الأفكار الخاطئة المرتبطة بالأمراض والمجتمع والتداوي والعلمية والدينية، فإن فكرت فيها فستجد أنه خلال حياتك بالتأكيد مر بك شيء منها، وشعرت ببعض المقاومة الداخلية قبل أن تتقبل المعلومة الصحيحة، بل منا من رفضها تماما، واستمر على الفكرة القديمة رغم الأدلة والشواهد على خطئها لمجرد عدم ارتياحنا لما ستجريه من تغيير في تركيب الفكر داخلنا والشعور بعدم التوازن.
كيف تعالج الأمر بالنسبة لذاتك، تعالجه بالاعتراف بأن لديك الكثير من الأفكار التي ربما يكون بعضها غير صحيح، وهنا تُراجع وتبحث وتقوِّم، خاصة عند التواصل مع الآخرين، حيث يحدث ذلك أحيانا صدمات، فاستغلها لتوسعة المفاهيم لديك وتصحيحها، أما بالنسبة لنا كتربويين فإننا نبدأ بما لدى الطلبة والتلاميذ من معلومات ومفاهيم خاطئة، ومن ثم نجعلهم يبحثون من خلال أسلوب حل المشكلات مثلا عن المعلومة الصحيحة، ونناقشهم في أدلتهم والشواهد التي يقدمونها، فحين يتوصل الطالب بنفسه إلى المعلومة تصبح له، ويصبح من السهل اكتسابها، ومن ثم استخدامها في حالات تعلم جديدة، أو مواقف تطرأ على حياته، ليس هذا بالعمل السهل، ويحتاج منا مجهودا وصبرا ومواكبة للاستراتيجيات الحديثة في التدريس وتفعيلها، لكنه يأتي بثماره مع مرور الوقت. 

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف