نُسيت حتى كذريعة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
ينحاز المرء إلى فريق دون آخر، مهما كان النزاع بعيداً عنه، لتخوفه من أن بعض النزاعات معدية كالأوبئة. وهذه عندي قناعة، لا مجرد خوف. ومنبع هذا الخوف الدائم هو الحذر من الطبيعة البشرية وتحولاتها السريعة والمرعبة. بعد الحرب العالمية الثانية، توحدت يوغوسلافيا في إطار عرقي وإثني. ثم تفككت في الإطار نفسه لأسباب طائفية وإثنية. ولم يتوقف الصرب والبوشناق لحظة عند كونهما من العرق السلافي.
من ناحيةٍ رأينا أوروبا تتوحد في حماس شديد رغم حروبها ولغاتها وجذورها، والآن نراها منزلقة إلى التفكك لأسباب أقل أهمية بكثير: أسباب «خارجية» كمخاوف الهجرة في بريطانيا، وأخرى واهية أو غير مقبولة كما في كاتالونيا في القرن الحادي والعشرين.
يكاد الحماس الجماهيري السطحي، يكون واحداً، في الدخول وفي الخروج. مرت مئوية وعد بلفور من دون أي مظاهرة في العالم العربي، لماذا؟ لأن المنظمين قد غابوا. ففي ذكرى 25 عاماً على الوعد الجائر، وفي ذكرى 50 عاماً، وفي كل ذكرى سنوية، كانت شوارع العواصم العربية تكتظ بالمعترضين، وجميعهم صادقون ومخلصون. لكن العرب نسوا المناسبة هذا العام الخاسر وتذكرها المستثمر الأكثر صفاقة، بنيامين نتنياهو.
نزلت الجماهير بمئات الآلاف في مدن وعواصم عربية لكي تصفق لاحتلال صدام للكويت. وكانت الجماهير تصخب غاضبة من أجل الفيتنام. وقد أخفقنا في تنظيم احتجاج مدني ملحوظ في أي عاصمة عالمية، احتجاجاً في مئوية الرجل الذي حملت الكارثة الفلسطينية اسمه.
في هذه الأثناء، كانت ثمة أرض فلسطينية أخرى تستعاد، ويتم التوافق على تقاسمها: حماس تقول للسلطة، لكم كل ما هو فوق الأرض، ولنا كل ما تحتها! تم ذلك في الوقت الذي توصلت إسرائيل إلى حدث علمي يكشف الأنفاق ويتمكن من تدميرها، منهياً بذلك مرحلة أخرى من مراحل الكفاح السري الفلسطيني.
احتفلت تيريزا ماي هي أيضاً بالمئوية القاتلة. فمن يعاتبها على وضع الملح في الجرح العربي؟ لقد تلبد فيه نهر الدم وتجعدت في جلده طبقات النسيان. والذين كانوا يجرّون الأمة إلى الحرب من أجل فلسطين، يخوضون كل حروبهم بعيداً عنها. والذين بلغوا الحكم والسلطة باسمها، لم يعودوا في حاجة إليها حتى كذريعة. حتى كمذكرة احتجاج. كل البشر تحتفل بمناسباتها، ونحن أشرف لنا أن ننسى.