صحف مصر تصارع كابوس الاختفاء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
القاهرة: عبد الفتاح فرج
لم يشفع تاريخ الصحافة الورقية المصرية العريق، الذي يزيد على مائتي عام، في وقف تراجع التأثير ونسب التوزيع والإعلانات. وفي أحدث دلالة على التراجع المطرد للصحافة الورقية، أفاد جهاز الإحصاء الحكومي بأنه تم إغلاق نحو 50 في المائة من الصحف المحافظة على الصدور خلال 5 سنوات فقط، بالإضافة إلى تراجع توزيع الصحف من 2.5 مليون نسخة يومياً، إلى 400 ألف نسخة في 2017، وفقاً لتقديرات خبراء التوزيع. ورغم مناشدات الخبراء والمراقبين المتكررة لبحث أسباب الأزمة ومعالجتها لعدم تكرار سيناريو إغلاق صحف «البديل»، و«التحرير»، و«الأحرار»، و«الطريق»، و«الكرامة»، و«الجيل»، وغيرها من الصحف اليومية والأسبوعية، فإن الهيئات الحكومية المسؤولة عن مستقبل الصحافة في مصر، لا تبدي اهتماماً بالأزمة حتى الآن، بحسب وصف المراقبين.
ويبدو أن ثمة اتفاقاً بين الخبراء المتخصصين على أن الصحافة المطبوعة في مصر ستحافظ على وجود محدود ورمزي، وستواصل التراجع كمياً مع زيادة التعرض للوسائط الإلكترونية، ولكي تبقى حظوظها المحدودة، عليها أن تطور أداءها ليصبح أكثر ميلاً للعمق والتخصص.
يقدر مجدي الحفناوي، مدير توزيع جريدة «المصري اليوم»، توزيع جميع الصحف المصرية (اليومية والأسبوعية) حالياً، بـ400 ألف نسخة فقط، رغم تخطي صحيفته وحدها هذا الرقم إبان انتفاضة 25 يناير (كانون الثاني) 2011.
وأضاف الحفناوي لـ«الشرق الأوسط»: «توقعت في العام الماضي أن ينخفض توزيع الصحف اليومية التي قامت برفع أسعارها إلى 3 جنيهات بنسبة 30 في المائة، لكن توزيعها انخفض بنسبة 50 في المائة، وهذه حقيقة مفزعة جداً، وكابوس يُداهم الصحافة المصرية الورقية العريقة التي تنهار لصالح الصحافة الرقمية».
ولفت الحفناوي إلى أن «الصحافة الرقمية في مصر ليست مستعدة حالياً لتعويض الصحافة الورقية بسبب ضعف العائد المادي، وعدم قدرتها على استيعاب كل العاملين في الصحافة الورقية بداية من عمال المطابع وحتى رؤساء التحرير». وقدر الحفناوي عدد العاملين في مجال الصحافة في مصر بنحو 75 ألف فرد.
وأدت الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر منذ ثورة 25 يناير 2011، إلى إغلاق صحف يومية وأسبوعية، وتسريح عدد كبير من الصحافيين، بعد عزوف آلاف المواطنين عن شراء الصحف لارتفاع أسعارها بنسبة 100 في المائة خلال 5 سنوات، بالتوازي مع زيادة أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية، خصوصاً بعد تحرير سعر صرف الجنيه المصري.
وكانت صحيفة «البديل» (يومية خاصة)، أعلنت في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، التوقف عن الصدور نهائياً، بسبب الأزمات المالية. وفي العام نفسه، أعلنت صحيفة «التحرير»، التوقف عن الصدور اليومي والاكتفاء بعدد أسبوعي يصدر كل يوم ثلاثاء. وأرجعت سبب الإغلاق في بيان إلى انصراف أغلب قطاعات المجتمع عن قراءة الصحف المطبوعة، خصوصاً الشباب، واتجاههم إلى الحصول على معلوماتهم من الصحافة الإلكترونية. وفي نهاية عام 2013، تحولت صحيفة «المصريون» من النسخة اليومية إلى الأسبوعية.
واعتبر صلاح عيسى الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة سابقاً، أن «أزمات الصحف المصرية حالياً مرتبطة بالركود الاقتصادي». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «طلبنا من ملاك الصحف اليومية معالجة الأزمة من خلال تخفيض عدد الصفحات وتقليل الألوان، دون اللجوء إلى تسريح العاملين أو رفع سعر الصحف، وبالفعل استجابت بعض الصحف اليومية لذلك، مثل (الوطن)، و(الشروق)، و(المصري اليوم)، وحتى المؤسسات القومية استجابت لهذه النصائح وخفضت عدد الصفحات والألوان».
وتابع عيسى: «سجلات المجلس الأعلى للصحافة يوجد بها عدد كبير من الصحف الحاصلة على تراخيص بالصدور، لكنها تعتبر أرقاماً وهمية، فهي لا تصدر بانتظام لعدم وجود تمويل أو إعلانات، فعدد تراخيص الصحف الحزبية في مصر 8 صحف، لا يصدر منها إلا صحيفتان فقط».
وأشار عيسى إلى قرار المجلس في مارس (آذار) الماضي بإيقاف ترخيص جريدة «البديل» الورقية وعدد من الصحف غير المعروفة التابعة لأندية وجمعيات، لتوقفها عن الصدور بانتظام بسبب الأزمات المادية، موضحاً أن «الأزمات التي تعاني منها الصحف المصرية لا تنطبق على الصحف الخليجية، لأن مستوى المعيشة بالدول التي تصدر منها مرتفع ولا تعاني من أزمات اقتصادية».
ويبلغ عدد الصحف اليومية المصرية حالياً 23 صحيفة؛ منها 9 صحف قومية، و13 خاصة، وواحدة حزبية هي جريدة «الوفد»، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الذي أفاد في شهر مايو (أيار) الماضي، في تقرير أصدره لمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، بأن عدد الصحف اليومية والأسبوعية والشهرية في مصر كان قد بلغ 75 صحيفة، منها 3 صحف حزبية عام 2015، مقابل 80 صحيفة عامة منها 8 صحف حزبية عام 2014، بانخفاض بلغت نسبته 6 في المائة.
الأرقام السابقة تعطي مؤشراً سلبياً عن حالة الصحافة المطبوعة في مصر، إذا قورنت ببيان الجهاز الحكومي نفسه عام 2012، حيث أفاد بأن عدد الصحف المصرية آنذاك بلغ 142 صحيفة في عام 2010، فيما بلغ عدد الصحف الحزبية في العام نفسه أيضاً 23 صحيفة، لا يصدر منها الآن سوى صحيفتين «الوفد» و«الأهالي»، وفقاً لرئيس المجلس الأعلى للصحافة سابقاً.
وأفاد بيان «الإحصاء» لعام 2012 أيضاً، بأن عدد النسخ الموزعة محلياً بلغ 917.9 مليون نسخة عام 2010 بمتوسط 2.5 مليون نسخة يومياً، لكنها هبطت إلى 560.7 مليون نسخة في عام 2015. بمتوسط نحو مليون ونصف المليون نسخة، ويقدر الخبراء نسب التوزيع الحالية بـ400 ألف نسخة فقط لكل الصحف المصرية يومياً.
الأرقام الحكومية السابقة التي تؤكد تراجع نسب التوزيع حالياً، وارتفاع نسب إغلاق الصحف تعضدها أرقام رسمية أخرى سلبية صادرة من «الهيئة الوطنية للصحافة»، (المسؤولة عن إدارة المؤسسات الصحافية القومية) على لسان رئيسها كرم جبر، الذي أكد في تصريحات تلفزيونية أن ديون الصحف القومية وصلت إلى 19 مليار جنيه (الدولار الأميركي يعادل 17.7 جنيه مصري) في مؤشر غير مبشر للخروج من الأزمة.
وقال الكاتب الصحافي والمدرب الإعلامي خالد البرماوي لـ«الشرق الأوسط»: «صناعة الصحف في مصر، كانت تحقق عائدات سنوية تبلغ قيمتها نحو نصف مليار جنيه من التوزيع فقط قبل 5 سنوات، لكن انخفاض حجم التوزيع والإعلانات حالياً بنسبة 50 في المائة يعطي مؤشراً على اقتراب نهاية أجل الصحافة الورقية في مصر».
وأضاف البرماوي: «بالهند توجد تجربة ناجحة في زيادة توزيع الصحف بنسبة 8 في المائة سنوياً، واعتمدت تلك التجربة الفريدة على التعاون والشراكة بين المؤسسات الصحافية تحت شعار المصلحة».
وقال الناشر هشام قاسم لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعتقد أن الصحف المصرية الحالية ستستمر طويلاً، سنرى بلا شك كيانات جديدة مدمجة ومنفردة، فالمؤسسات القومية ليس لها مستقبل بوضعها المالي الحالي في ظل توجهات الحكومة الحالية برفع الدعم عن المؤسسات العامة».
وأضاف قاسم: «من علامات تراجع الصحف الورقية في مصر الآن تشابه أو تطابق المانشيتات اليومية»، مشيراً إلى أن «تدخلات بعض أجهزة الدولة في المحتوى الصحافي وفرض مانشيت معين، تسبب ذلك في تراجع دور الصحافة المطبوعة في مصر».
وعن غياب تأثير الصحف يقول قاسم: «معظم مانشيتات الصحف أصبحت موحدة، ولا تتسم بالجرأة، وموضوعاتها الداخلية ليست طازجة وتعاني السطحية، ولا تقدم للقارئ خدمات أو معلومات جديدة، وإن أرادت الحفاظ على ما تبقى لها من تأثير محدود يجب أن تتجه إلى العمق والتجديد».