«الأعمال الشامية» بين المغالطات والتطور
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أمين حمادة
تثير المسلسلات «الشامية» نسبة إلى «الشام القديمة» مع الاختلاف حول تسميتها اصطلاحاً بين «التاريخي» و«البيئي» وغيرهما، ومدى ارتباطها بالتاريخ الفعلي، انتقادات وأسئلة كثيرة في كل موسم تصل إلى الدعوة إلى المقاطعة أحياناً، يواجهها إنتاج متصاعد لهذا النوع من الدراما.
من البدهي القول أن الدعوة إلى التطوير ملحّة وسط الركود والتنميط الغالبين في بناء الحبكة وأدوات المكان والشخصيات، مع الاعتراف لها بالذهاب إلى خارج الاستوديو، والتوجه أكثر إلى الفانتازيا، والاعتماد على البطولة النسائية مثلاً، كنوع من التجديد. لكن المطالبة بالابتعاد من منتج حصري، يُعد مشبوهاً أو من ضروب الغباء في أقل تقدير، في صناعة كغيرها تحتاج إلى الربح، فكيف تتخلى عن دراما أصبحت بفعل الفضاء الفني الجغرافي واستنادها إلى «البيئة الشامية»، أصلاً «ماركة مسجلة سوريّة».
ولعل موقف الممثل السوري أيمن رضا من هذا النوع الدرامي يعبّر عن الاختلاف المتناقض هذا بتصريحه في مقابلة سابقة إلى «الحياة»: «قلت أنني لن أشارك في أعمال البيئة شامية أبداً، ولكن للأسف الشديد هي تشكل غالبية المسلسلات التي تصوّر في سورية اليوم، نحن نكسر على أنفنا بصلة لنعمل ونقدم شيئاً جديداً، ولكن لا يوجد أي مواضيع خطيرة ستقدم».
يتحدث الكاتب السوري سليمان عبدالعزيز (الأميمي، باب الحارة ج 9 و10 وغيرهما) لـ «الحياة» عن عصب استمرار الدراما الشامية قائلاً: «القنوات تطلب هذه الأعمال، وهي تعرف لماذا تطلبها، إذ إن الجمهور يريدها. الجمهور يسترخي بمشاهدة البيئة الشامية، لأنه يعود إلى التاريخ والتراث وقصص الأجداد وهو ما يحبه المشاهد العربي الذي يُصنف عاطفياً جداً». وحول مدى استهلاك الأقلام مكنونات البيئة الشامية، يرى أن «هناك تفاصيل كثيرة لم تعرض بعد في دراما البيئة الشامية التي هي غنية جداً، ولا تمكن تغطيتها ومنحها حقها في خمسين أو مئة عمل مثلاً». ويوافقه الرأي من ناحية «الكنوز المدفونة»، نظيره السوري خلدون قتلان قائلاً: «أعمال البيئة كلها لم تقل إلا القليل جداً». وأيضاً الكاتب السوري مروان قاووق (الأجزاء الأولى من «باب الحارة»، «وردة شامية»، «بيت جدي»، «الدبورط، «عطر الشام»، وغيرها) بقوله: «لم نكتف من البيئة، لم يظهر الكثير في أعمال البيئة، المجتمع الدمشقي غني كثيراً بقصص وحكايات ومهن كالدومري ومسحر رمضان، من الممكن أن نقدم ألف جزء من أعمال البيئة الشامية عن دمشق من دون أن نتمكن من تلخيص كل شيء».
ويمثل قتلان وقاووق مدرستين في تناول الأعمال الشامية، قرباً وبعداً من البيئة الشعبية والتاريخ. يصر قتلان عبر تجربته المختلفة في «بواب الريح» و «قناديل العشاق»على الاستناد إلى التاريخ الحقيقي كفضاء لاستمداد القصة الدرامية، من دون لَي عنقه أو تزويره ومخالفته عمداً أو خطاً وفق ما حصل في مشاهد كثيرة. يقول: «هناك أعمال جيدة، لكن الأعمال الأخرى لا تمت إلى دمشق بصلة، بالعكس قامت بتشويه صورة المدينة».
ويشير ألي بعض الأخطاء المكررة: «أعمال البيئة كلها تأخذ عن بعضها وتتشابه حتى في الأخطاء. مثلاً الكركون تسميته الفعلية «قرقون» والعكيد هو ليس شخصاً شهماً، بل شخصاً قوياً يحضرونه لافتعال المشكلات مقابل المال. دمشق هي أم الحضارات فمن المعيب جداً أن تحكي الدراما عنها أشياء غير صحيحة، هذا ضعف من الكتاب الذين لم يكلفوا أنفسهم قراءة كتب عن تاريخ دمشق وتراثها المدونين بالكامل لمعرفة العادات الدمشقية والتفاصيل».
ويتحدث قاووق عن تجربته المختلفة التي لم تنغمس في الاستناد إلى التاريخ: «لم أوثق كل أعمالي تاريخياً ولا أحب ذلك، لأن التاريخ كتب من مصادر عدّة، مصدر صادق ومصدر بالعكس ومصدر يبالغ ومصدر ما بين بين، لذلك أظهر وميضاً من تلك الفترة ولمحات لا أكثر». ويضيف: «عندما أذكر حوادث تاريخية يصبح المسلسل وثائقياً وليس درامياً. اهتم بحكايا المجتمع أكثر مما أهتم بالرموز والحوادث المهمة لأن المشاهد يريد حكايا إنسانية جميلة غير مملة. وفي نظري أعمال البيئة كلها التي وثقت حوادث كانت فيها مغالطات تاريخية كثيرة». ويشير قتلان إلى جانب آخر ومهم من الأخطاء التي طاولت صورة المرأة، قائلاً: «دور المرأة ضعيف على الأغلب في هذه الدراما، تظهر مقموعة ولا رأي لها، ولكن العكس هو الصحيح، إذ إن المرأة كان لها دور ومكانة وكانت تعمل وتكتب وتتعلم، حقيقة المرأة السورية ليست أنها خادمة وتضرب من زوجها دائماً. وللأسف إن هذه الأعمال حازت على شهرة واسعة وما زالت تصوّر حتى الآن».
من الضروري هنا الإشارة إلى وجود النموذجين في الواقع المتناول من تلك الحقبة الزمنية، فـ «مرتدية الملاية» نموذج حقيقي بمقدار «حاملة القلم»، ويمكن القياس بذلك على الشخصيات المختلفة التي تتراوح بين التخلف والتطور، طبعاً بنظرة الآن إلى الماضي.
وبانتظار عدم جلد الأعمال الشامية وتحميلها ما لا طاقة لها به، كـ «حتوتة» تتناسب مع وقت العرض الذي تفرضه دورة البرامج في شهر رمضان من كل عام، في أيام تفرض بأجوائها التقليدية تقبل المتلقي وحنينه إلى ما هو من التراث القديم، يبدو أن الخلل الأساسي يكمن في استسهال عملية بناء الأدوار على الورق، وعدم تحويلها شخصيات بأبعاد مختلفة وكاملة، لا مسطحة بوجه واحد يسير بها إلى التشابه والتنميط.