صعود الشوفينية الوطنية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خلف الحربي
ترتفع الشوفينية الوطنية عند المواطن العربي بمجرد شعوره بوجود عرب آخرين يتحاملون على وطنه فتداهمه حالة من التعصب الوطني يخالطها شيء من العدوانية تجاه العرب (الخونة) الذين يرى أن بلاده قدمت لهم كل شيء فلم يكن جزاؤها منهم إلا الجحود والنكران.
حدث هذا مع المصريين حين قاطعهم العرب بعد اتفاقية كمب ديفيد مع إسرائيل، وحدث ذلك مع الكويتيين حين احتلت القوات العراقية بلادهم ووقف عرب كثيرون مع صدام حسين، وفي هذه الأيام نلاحظ ارتفاع الشوفينية الوطنية لدى السعوديين والقطريين والإماراتيين واللبنانيين وغيرهم من خلال تشكيلة الشتائم المتبادلة على شبكة الإنترنت حيث يرى كل طرف من زاويته أن بقية العرب حاقدون على بلاده.
وبرغم العيوب المؤسفة التي تنتجها حالة الشوفينية الوطنية مثلها مثل بقية أنواع العنصرية إلا أنها في هذا الوقت بالذات قد تكون مفيدة، فقد عانى العالم العربي طوال العقد الماضي من حالة الاستقطاب الطائفي الدموي، ويبدو أنه قد حان الوقت كي يبدل بعض المواطنين العرب أدوات الكراهية التي لا يستغنون عنها بأدوات جديدة تناسب المرحلة السياسية الحالية، وبرغم بشاعة الشوفينية الوطنية وعدائيتها في أحيان كثيرة وانغلاقها الغبي في أحيان أخرى إلا أن المجتمعات العربية قد تحتاج إلى الغرق في هذا المستنقع فتهتدي بالصدفة إلى الفكرة المنطقية التي تتهرب منها فتعرف كل دولة أنها مسؤولة عن مشاكلها المعقدة قبل أن تتطوع لحل مشاكل الشرق الأوسط، وأن كل مواطن معني بنهضة بلادة قبل أن ينشغل بقضايا جيرانه العرب، ولأن هذا مستحيل حاليا لمليون سبب، فقد يكون من الأفضل للعرب أن يمروا بهذه المرحلة العجيبة من العنصرية الوطنية كي يتبادلوا الشتائم فيتخاصموا وينشغل كل واحد منهم بإصلاح أحوال بلاده.
بالتأكيد لا يمكن أن تكون الشوفينية أمرا جيدا، بل هي مرض يدمر العلاقة الطبيعية بالآخرين، ولكن التقارب الحقيقي والتآلف والوحدة بين الشعوب المتجاورة عربية كانت او إسكندنافية يبدأ وينتهي الْيَوْمَ عند قدرتها على رفع كفاءتها لخلق مناخات للتعاون الاقتصادي والعلمي والعسكري، ونحن لا نملك شيئا من هذا كله، بل نتكئ على ما توارثناه من تقارب اجتماعي وثقافي فقط؛ لذلك يجد المواطنون العرب وقت الفراغ الكبير الذي يقضونه في تبادل الشتائم.
بصراحة أشعر بأن كل الشوفينيين العرب الذين يشتمون أوطان بعضهم البعض يعرفون أن ما يقولونه لا قيمة له، ولكنهم لشدة محاصرتهم تحت الشعارات العربية الكبيرة التي لم يجدوا لها أثرا على أرض الواقع يحاولون العثور على أوطانهم الضائعة، ولو وصل العرب إلى هذه القناعة بالذات، أي يهتم كل بلد ببناء نفسه لتم توفير الكثير من الجهود والأموال والمؤامرات، وأصبح التركيز منصبّا على إصلاح كل بلد على حدة، فحين تتعافى يمكنك أن تتعاون مع الآخرين وتساعدهم، أما غير ذلك فلا يعدو كونه مشاجرة بين مرضى في ممرات المستشفى حيث يحاول كل واحد منهم معايرة الآخر بأمراضه المزمنة!