مَن المنتصر؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد الرميحي
ماكينة ما يسمي نفسه «محور الممانعة» المكونة من عدة رؤوس، من طهران إلى «حزب الله» مروراً بدمشق، تعلن «الانتصار» في مهمتها التاريخية لمحازبيها وأنصارها، وتبيع تلك الفكرة على مناصريها الذين فقد كثير منهم أي منعة أو تحكيم عقل فيما يسمعونه، يعتقدون بما يُقال لهم دون تساؤل أو اعتراض، ماكينة الانتشار الإعلامي التي تقع على مجمل متلقين ضعيفي المناعة، تروج أن المشروع الإيراني قد ساد في المنطقة العربية وانتهى الأمر، وأن نظام الأسد باقٍ لن يغير، وأن إسرائيل ترتعد خوفاً من القادم إليها، ولم يبقَ إلا اجتياح الدول العربية الأخرى وتخريبها وإشاعة الفوضى فيها، كي يعلن الانتصار التاريخي، لمشروع الخميني الخرافي.
بالفحص الأكثر قرباً إلى المنطق السليم، نرى أن حزب الممانعة، كما يسمي نفسه، بفروعه المختلفة، هو في خسران. دعونا ننظر إلى الأمر من زاوية ما يحدث على الأرض. الفكرة الرئيسية لتسمية ذلك المحور نفسه بـ«الممانعة» هو حرب ضد إسرائيل، والعالم يعرف أن إسرائيل هي التي تفرض أجندتها عليه اليوم، إن كان في لبنان، فإن فرع الممانعة هناك، أي «حزب الله»، يقف بعيداً عن الحدود الدولية، وتفصله مجموعة كتائب دولية قوامها خمسة عشر ألفاً من الرجال الدوليين مسوَّمين بقرارات دوليه قاطعة، أما في الجولان فإن الاتفاق الإسرائيلي الروسي أصبح معروفاً ومنشوراً على نطاق واسع، والذي يفرض أن لا تقترب أي قوات إيرانية من حدود الجولان في أرض عرضها 40 كيلومتراً من خط فض الاشتباك في الجولان، كما أن الاتفاق الضمني ذاك يسمح بضرب وتدمير أي أسلحة هجومية يُعتقد أنها ذاهبة إلى «حزب الله» من الأرض السورية، كما حدث ذلك تكراراً! فالهدف الأساس المعلن لمحور الممانعة، وهو تحرير أرض فلسطين بعيد المنال، ومنذ إعلان إيران الحرب على «الشيطان الأصغر»، كما تسميه، حتى اليوم لم تتراجع حدود إسرائيل على الأرض المحتلة قيد أنملة! تلك الحقيقة يعرفها حتى مناصرو محور الممانعة، وإن تشدّقوا بنقيضها، بل فوق ذلك إن أدوات ذلك المحور الأصلية والفرعية لا تستطيع الآن ولا في المستقبل أن توجه أي طلقة نار إلى تلك الحدود، التي أصبحت أكثر الحدود الآمنة في الشرق الأوسط، فأين النصر؟ أما إذا كان النصر في سوريا والعراق على «داعش»، فإن ما تحقق هو بتأييد ودعم نشط من المجتمع الدولي وقواه العسكرية الضاربة، وليس لقوى الممانعة أي فضل كثير في ذلك، فلولا ذلك الفيض من السلاح والمعلومات الاستخبارية والطائرات بطيارين ومن دونهم، لما استطاع محور الممانعة تحرير الأراضي الشاسعة التي احتلها «داعش»، أما في سوريا المنكوبة فنقيض الانتصار بيِّن أيضاً، ظاهر ذلك النقيض بادٍ من خلال ملايين المشردين السوريين في بقاع الأرض، كما هو ظاهر في المدن والبلدات والقرى التي ينعق فيها الغربان، واقفة على عروشها تبكي أهلها المشردين أو أبناءها المدفونين تحت أنقاض منازلهم، بفعل ماكينة النظام العسكرية وحلفائه، ومع ذلك ما زالت مقاومة الشعب السوري صلبة، وأمله في الخلاص واضحاً، بإجبار النظام على التفاوض مع ممثليه في أكثر من عاصمة، ومن جهة أخرى تحرير جزء غير يسير من أرضه من قبضة النظام الديكتاتوري المباشر، فأين النصر هنا؟ أما إذا كان النصر في العراق، فإن الشواهد تقول: إن الشعب العراقي بتعدد مكوناته يرفض الاحتلال الإيراني ويقاومه بالكلمة والفعل، إلا قلة مستفيدة واستزلامية. أما في المستقبل المنظور، فإنه لا مكان للنفوذ الإيراني لدى جموع الشعب العراقي، الذي يرفض أي نوع من الاحتلال. بقي لبنان، الذي يعتقد جناح من الممانعة، أنه يحقق انتصاراً في فضائه، نرى شعبه ينتفض، أو أكثرهم، ضد الاحتلال الإيراني ممثلاً في «حزب الله»، الذي شكلت ماكينته الإعلامية زخماً من الزيف في الأسابيع القليلة الأخيرة، عندما ادعت أن سعد الحريري رئيس الوزراء محتجز في الرياض، وأطلقت تلك الماكينة العديد من القصص المختلفة والمتلونة على مدار الساعة، فما إن عاد الحريري إلى بيروت حتى بلعت ألسنتها، وقلبت النغمة إلى مكان آخر وشيء آخر، إلا أن التطورات المقبلة سوف تضع ليس النأي بالنفس على أجندة النقاش الساخن في لبنان، بل وحتى سلاح «حزب الله»، الذي لم يعد لا المجتمع اللبناني ولا الدولي، يقبل أن يحتفظ فصيل في بلد مستقل تحكمه حكومة واحدة بسلاح يهدد فيه الآخرين ويُرضخهم لإرادته، مستخدماً التهديد بذلك السلاح، الذي لم يعد بقادر على تضليل كثيرين بأنه موجَّه إلى إسرائيل. لقد استقر رأي عام لدى حكومات نافذة على المستوى الدولي في أفضل سيناريو أن ينخرط أفراد ذلك الحزب، إن أرادوا، في العمل السياسي السلمي، ويتخلوا عن تصدير الميليشيات المسلحة شرقاً وغرباً، أو تتحمل الدولة اللبنانية تبعة أعمال جزء من مواطنيها. وعلى سرعة فهم الحزب وقيادته ذلك الأمر، يتوقف الاستقرار في لبنان، والذي بديله خراب آخر يطال الجميع، ويُرغم في نهايته ذلك الحزب على الإذعان! فأين النصر في كل ذلك؟ في اليمن يمدنا التاريخ بمعونة لا يمكن إنكارها، فقد خُرب اليمن تاريخياً بسبب احتلال الفرس، وانطفأ توهجه الزراعي والتجاري والحضاري، حتى قُيِّض له بطل يعرفه اليمنيون حق المعرفة، الملقب برحمن اليمن، هو الأسود العنسي الذي حارب الفرس وانتصر عليهم وطردهم من اليمن، وأعاد العروبة إليه، وبالتأكيد فإن أحفاد الأسود العنسي لا يرضون كما لم يرضَ أجدادهم بأن يكون اليمن اليوم مزرعة إيرانية، حتى لو مال بعضهم، كالحوثي، إلى الرضا بالتبعية، فاليمن ليس الحوثيين! فأين الانتصار؟
ترتكز مجمل فروع ما يُعرف بمحور الممانعة على الدعم المالي والبشري والآيديولوجي الإيراني، والذي نبع من نص دستور الدولة الإسلامية الإيرانية، الذي يدعو بشكل واضح إلى تصدير الثورة كما تخيلها المؤسس، وكما استفاد منها بعض شرائح المجتمع الإيراني ذات الحظ العاثر في الحياة والفقيرة ثقافياً، فانخرطت فيما يسمى الحرس الثوري الذي تدفقت تصريحات قادته الأخيرة، متدخلة دون اعتذار أو حياء في الشؤون العربية المختلفة، والتي أشادت بـ«جبهة المقاومة الممتدة من طهران إلى لبنان»، حسب قول قائده مؤخراً. في حين أن نصوص القانون الدولي كلها تحتم احترام دول الجوار، وتحرّم ما يُعرف بالتدخل في شؤون الغير! ليس جديداً أن ترتدي الثورات المبشرة بالمستقبل أقنعة من الماضي، إلا أن بعضها يدخل في مرحلة تسمى «التأزم الثوري»، حيث تقاليد الماضي تضغط بشدة على الأحياء، فيذكرون بخشوع أرواح الماضي، ويستعيرون منهم أسماءهم وشعاراتهم، هذا ما يحدث للثورة الإيرانية اليوم، إنها في مرحلة التأزم، التي تركن إلى خليط من التقاليد الزرادشتية، مع رفض مبطن للثقافة العربية، التي هي أساس الإسلام، في دعوة غير معلنة لإحياء الإمبراطورية الفارسية. مَن يطّلع على الدراسات المنشورة حول المناهج الإيرانية وتقدم للطلاب في المدارس الإيرانية يجد هذا «الازدراء للعرب» الذين حطموا تاريخياً الإمبراطورية الإيرانية، من وجهة نظرهم، وجاء وقت الحساب للانتقام من العرب. إنها ازدواجية تحمل تنكراً مبطناً للتاريخ، ومحاولة الاحتفاء بماضٍ لا يعود، فالفخر باحتلال 4 عواصم عربية، ليس فخراً بدعم المستضعفين بقدر ما هو زهو بعودة التفوق الفارسي، الذي لن يرضخ له العرب رغم ما استعاره من قناع!
آخر الكلام:
تتعرض الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمرض الوهن الذي ما إن يصيب مجتمعاً حتى تتداعى أركانه، وعلامته التضخم والبطالة، وهما آفتان تفتكان بالمجتمع الإيراني، وقد وصلوا إلى ذلك لأن بلايين الدولارات تُدفع لقوى ميليشاوية في الخارج ولشراء السلاح!