قمة الكويت... محور ما بعد مجلس التعاون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فهد سليمان الشقيران
القمة الخليجية في الكويت لم ينتظر منها الكثير. كان الاجتماع لوحده هو الإنجاز بالنسبة للوسيط الكويتي مهما كان مستوى التمثيل... الأزمة مع قطر تتصاعد، وذلك بسبب التعنت والعناد. ما قامت به قطر خلال الأيام الخمسة الماضية لا يعكس أي جدية من قبلها للوصول إلى حلّ حاسم. المنصات القطرية كلها تعمل ضد تحالف إعادة الشرعية باليمن، وثمة جلبة حول دورها في اغتيال الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بما يذكّر بالسيناريو نفسه مع العقيد الليبي معمر القذافي، وكلهم حين تخلوا عن تلك الدويلة لقوا مصرعهم. وقد ذكر علي صالح تفاصيل علاقته مع القطريين، ومن ثم انقلابهم عليه، من خلال دعم فصائل إرهابية وراديكالية باليمن باسم «الثورة» في مرحلة ما بعد 2011. وقد كشف وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش كيف طرحت قطر الوساطة بين صالح والحوثيين فور إعلان الراحل وقوفه مع دول الخليج، وتحديه لأيادي إيران، وتعهده ببقاء اليمن في الحضن الخليجي.
قبيل القمة تجاوزت قطر كل الحدود من خلال التصعيد الإعلامي، والعمل على التوتير الميداني في اليمن، والدخول على خط دعم تيارات إيران في لبنان، وذلك ضمن معلومات تتحدث عن وفود قطرية في الضاحية الجنوبية تلتقي بسياسيين وأمنيين من حزب الله، كل ذلك المناخ جعل القمة أقل مما توقعها الساسة في الكويت؛ قمة روتينية بامتياز، الهدف منها الإبقاء على هيكل مجلس التعاون وإنعاشه ما أمكن، وذلك طبقاً للرؤية الكلاسيكية التي تعتبر المجلس من الثوابت التي لا يمكن المساس بها أو التعديل عليها، أو التنويع على صيغتها. لقد تأسس مجلس التعاون ضمن ظرف تاريخي معين، حيث غبار الثورة الخمينية الذي كان نذير شؤم؛ خشي القادة حينها على دولهم من السموم الثورية، فساهم المجلس في الحفاظ على مفهوم الدولة وكيانها بالمعنى العميق، ولكن حين تتحول إحدى الدول داخل المجلس إلى كيان داعم للجماعات الراديكالية، ومتقارب مع الثورة الخمينية، وحزب الله، والحركة الحوثية، فإن التنسيق بين الدول لن يكون مرناً، إذ لا يمكن العمل مع نظامٍ برأسين، وبقيادتين، وبمشروعين.
الأحداث الأخيرة المتسارعة تضع مفهوم الدولة على المحك، ذلك أن الاجتياح الثوري، والثقافة الميليشياوية في تصاعد مطّرد، والأكثر خطورة أن قطر من بين الداعمين لهذا التمدد، وعليه فإن الحفاظ على كيانات الدول لن ينجح إلا من خلال عمل منظم يقوده محور معتدل على مستوى عالٍ من التقارب والتنسيق، كما هو الحال بمحور الاعتدال المحارب للإرهاب، الذي تمثله السعودية ومصر والإمارات والبحرين، هذا محور يعوّل عليه في الحرب على الإرهاب أكثر من دور مجلس التعاون الخليجي، الذي يحتاج إلى إصلاح، وإلى تصفية من الأدران والعوالق والشوائب.
من هنا تأتي أهمية القرار الذي صدر يوم الثلاثاء الماضي برسم الشيخ خليفة بن زايد والقاضي بتشكيل لجنة للتعاون المشترك بين الإمارات والسعودية، وهو نموذج حي للتعاون والتشارك الحديث. ينص الأمر على إنشاء لجنة للتعاون والتنسيق المشترك بين البلدين يرأسها ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، وتنص المادة الثانية من القرار على: «يصدر رئيس اللجنة قراراً بتعيين أعضائها، ممثلين عن عدد من الجهات والقطاعات الحكومية الاتحادية والمحلية في الدولة. وتختص اللجنة المشمولة بحكم المادة الأولى من هذا القرار بالتعاون والتنسيق المشترك بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، في كل المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية، وغيرها من المجالات التي تقتضيها مصلحة البلدين».
نحن نعيش وسط دول فاشلة تهدّمت أسقفها على أهلها وهي تئن من الدم والخراب منذ سبع سنواتٍ وحتى الآن... دول باتت مفرخة للجماعات الإرهابية مثل سوريا واليمن وليبيا والصومال، هذا مع تفكك جزئي في هياكل دول أخرى. ومن دون إيجاد نموذج لتكتل جديد يبنى على الثقة بين الدول، مما يعزز فرضيات التعاون على الأرض، لن نكون في مأمن كامل من رياح الجنون الثوري الذي تقوده العصابات الممتلكة للحقيقة والقاتلة من أجلها. ما ينقص مجلس التعاون حالياً أهم ما يحتاجه، وهو «الثقة»، وقد كان لتجربة دخول قطر في تحالف دعم الشرعية مع تعاونها السري مع الحوثيين، كما يروي وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد، أثر سلبي كارثي، وكيف لمجلس التعاون أن يستعيد الثقة المفقودة بتلك الدولة؟! وكيف يمكن لقطر الداعمة للمشاريع الراديكالية أن تنضوي ضمن مشروع الحفاظ على كيان الدولة في الخليج؟!
الأمر أكبر مما يردده رومانسيو السوشيال ميديا بأن الحل سهل وقريب. ثمة خلافات جذرية عميقة، وهو خلاف بين نمطين ونهجين ومشروعين؛ بين تيار يدعو إلى الدولة والتنمية ومحاربة الإرهاب، ومشروع معاكس تماماً يدعم كل التنظيمات، بما فيها تنظيم القاعدة (كما يروي علي عبد الله صالح في حوارٍ تلفزيوني معه حين قدّمت قطر الوساطة بين صالح و«القاعدة» من خلال سيف الإسلام القذافي)!
مرحلة صعبة، وتاريخية، والتعاون من أجل تجاوزها يجب أن يكون ضمن كيانات متجددة تتجاوز العمل الروتيني القديم.