جيل شاب من الثعابين ينقض على «زمّار» اليمن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
علي سالم
من سجين فار إلى قائد عسكري من دون مؤهلات، صعد نجم الشاب أبو علي الحاكم سريعاً قبل أن يكمل عقده الرابع في لحظة يمنية صار فيها العنف المؤهل الوحيد للارتقاء الاجتماعي، خصوصاً منذ أطفأت مدافع الانقلاب وهج ثورة 11 فبراير الشبابية السلمية التي انطلقت عام 2011 وعوّل عليها لإخراج اليمن من دورات الدم المزمنة.
عشية مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح ظهر أبو علي الحاكم في مقطع فيديو متوعداً الأول بلغة قبائلية تضمّنت شتائم. وخلافاً لطبيعة المناسبة التي ضمت شيوخ قبائل سعوا إلى التوسّط لنزع فتيل الخلاف بين جماعة الحوثي وصالح، تحدث الحاكم بلهجة استعلاء وعدم مراعاة لمكانة الحاضرين الاجتماعية، على ما لاحظت مصادر متقاطعة، مشيرة إلى أن صالح نفسه لم يكن ليظهر بهذه العنجهية حتى في عزّ قوته.
تعكس شخصية الحاكم الذي تمكن عام 2004 من الفرار من سجن في صنعاء، طبيعة الجيل الذي تقاتل به جماعة الحوثيين (حركة أنصار الله) منذ مطلع الألفية الثالثة حتى لحظة قتلها مطلع الأسبوع الماضي حليفها صالح، في صورة مشهدية هزّت مناصري الرئيس العسكري الذي حكم اليمن 33عاماً، وجلبت له تعاطف بعض خصومه، لا لسبب سوى أن الحوثيين ارتكبوا في فترة زمنية وجيزة ما لم يرتكبه صالح خلال 3 عقود على ما يرى البعض.
وتبدو شخصية أبو علي الحاكم لجهة السلوك العنيف والجسارة أقرب إلى شخصية الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كما جسّدتها روايته «عالم صدام حسين» للكاتب مهدي حيدر، مع فارق أن الحاكم لم يتلق تعليماً عالياً أو يلتحق بكليات عسكرية على ما تشير المعلومات المتوفرة، بينما زعم الحوثيون عند تعيينهم الحاكم رئيساً للمخابرات العسكرية برتبة لواء أنه عسكري إلا أن منتقديهم يستدلون بحادثة سجن الحاكم واسمه الحقيقي عبدالله يحيى الحاكم في البحث الجنائي المخصص للمدنيين، بينما يحال العسكريون إلى القضاء العسكري. وبدءاً من زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي إلى القيادات العسكرية والمقاتلين الميدانيين، يشكل الشباب والمراهقون والأطفال جسم جماعة الحوثيين.
وعلى مدى فترة حكمه التي دامت أكثر من ثلاثة عقود، لعب صالح بجميع الأوراق، بما فيها الورقة المذهبية. فبعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) استدار بسرعة من التحالف مع الجماعات السنية المتشددة إلى دعم الجماعات الشيعية المتطرفة.
وكما خرج المجاهدون اليمنيون الذين قاتلوا في أفغانستان من رحم المدارس الدينية التي عرفت باسم المعاهد العلمية المدعومة من الحكومة، كذلك جاء المقاتلون الحوثيون من المدارس المذهبية المضادة التي أُسّست منذ مطلع تسعينات القرن العشرين تحت مسمى تنظيم الشباب المؤمن.
ويبدو المصير المأساوي والمفاجئ للرئيس اليمني السابق، أشبه بدراما حكاية الزمّار أي عازف المزمار. وتتحدث الحكاية عن زمّار تمكن بعزفه تنويم جميع حيوانات الغابة، وعندما وصل إلى الأسد أنقض عليه الأخير لأن الأسد كان فاقد السمع أصلاً، وفق الحكاية.
ويستعين طالب الدراسات العليا في جامعة صنعاء محمد مسعد (29 سنة) بالجدل الهيغلي لقراءة نهاية على صالح، فيقول لـ «الحياة» «كما يكون الولد هو النفي الحتمي للأب وفق منطق هيغل الجدلي، كذلك جاء مقتل صالح على يد من هم أعنف منه نتيجة منطقية لإرث العنف السياسي وأجياله التي ربّاها خلال فترة حكمه».
وكان صالح الذي قتل مطلع الأسبوع الماضي برصاصات أصابته بالرأس، وفق ما يُظهر مقطع فيديو متداول، عرف بمراوغته وعنفه في آن وقدرته على تجاوز الكمائن بوسائل تتوزع بين الاستمالة والتصفية، لكنه بدا في السنوات الأخيرة وكأنه يحفر قبره بيده بعد أن فوّت فرصة الحصانة من المحاكمة التي منحتها له المبادرة الخليجية.
وبعد ساعات من الإعلان عن مقتل صالح ظهر زعيم جماعة الحوثيين في كلمة متلفزة ليعلن القضاء على ما وصفها بـ «الفتنة»، داعياً أنصاره إلى الخروج في مسيرة شكر لله. لكن مقتل صالح شكل صدمة كبرى لصنعاء التي بدت مساء إعلان مقتله مطفأة ساكنة كأنها خلت من سكانها.
واللافت أن نشطاء بينهم شبان في ثورة 11 فبراير، عبّروا عن حزنهم لمقتل صالح، قائلين إنه وعلى رغم جرائمه يبقى «الديكتاتور الظريف» الذي يمكن التعايش معه على عكس الحوثيين الذين قدّموا نموذجاً غير مسبوق وغير متوقع في إنتاج العنف والخوف والكراهية، على ما تقول لـ «الحياة» الناشطة رندة سعيد (26 سنة).
صالح الذي وصف نفسه بالراقص على رؤوس الثعابين بعد أن تمكن منذ وصوله السلطة في 1978، من التخلص من خصومه وتجاوز انقلابات ومحاولات اغتيال، وقع فريسة سهلة بين مخالب جيل شاب من ثعابين العنف السياسي والمذهبي التي ربّاها بنفسه ولم يحسب حساب أن تتفوق عليه دهاء ومكراً.