جريدة الجرائد

ماذا بعد سفارة واشنطن في القدس؟!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بينة الملحم

المتابع للقرار الذي وصفه البعض بأنه شَيّع عملية السلام إلى مثواها الأخير والذي أصدره ترمب الرئيس الأميركي بنقل سفارة واشنطن إلى القدس يجعلنا نتساءل هل إسرائيل كانت بحاجة إلى اعتراف إسلامي؟ أم بحاجة إلى اعتراف عربي؟ أم تبحث وبشدة عن اعتراف تاريخي حضاري فكل ما كنت أسمعه مجرد كلمات مثل: الأرض مقابل السلام، وقف الاستيطان مقابل المفاوضات لكني يوما لم أسمع الحاضر مقابل التاريخ أو الحضارة مقابل التراث أو العلمانية مقابل الثيوقراطية.

يبدو أنها كانت أزمة خارج لعبة المفاوضات ولكنها لعبة خطيرة من الصعب التنبؤ بمكوناتها السياسية والدليل قرار ترامب فكل حلول المفاوضات كانت على الطاولة ولكن ما يجري في عروق التاريخ والحضارات والبشر ليس هو الحقيقة التي نتفاوض من أجلها ففشل المفاوضات ليس سببه الاستيطان أو جولات المفاوضات أو المواقف المتصلبة فشل المفاوضات سببه عدم ترويض التاريخ والعلاقات بين الحضارات والأديان.

إسرائيل -التي استطاعت باحتلالها أن تجبر الأرض على الرضوخ لها- ظلت في أزمة ثقافية وحضارية وفكرية لم تستطع الأسلحة أو القوى الكبرى تسهيل مسارها لامتلاك الأرض والبشر العقل والتاريخ والحضارة لا يمكن احتلالها لأنها في عقول البشر وليست مبسوطة على الأرض على شكل شجرة زيتون تقتلع أو بناية يسكنها الإنسان وتهدم.

في تقرير لاستطلاع الرأي أجري في شبكة "أيه بي سي نيوز"، وجريدة "واشنطن بوست" خلال الأسابيع الماضية، أظهر الاستطلاع أن نصف الأميركيين لديهم نظرة سلبية عن الإسلام مقارنة ب37% من الذين لديهم فكرة إيجابية عنه ، الإسلام دين العرب وإذا كانت أميركا المسيحية لديها هذا الرأي حول الإسلام فكيف باليهود وماذا عن رأى المسلمين باليهود، هناك في عقل التاريخ والحضارة يوجد الصراع وليس ما يحدث على الأرض ليس سوى عسف للتاريخ السياسي والحضاري في محاولة لترويضه. عندما نسمع عن محاولة لحرق المصحف ندرك أن النار التي سوف تضرم في هذا الزمن هدفها التهام الجميع لأن الجميع أصبح عاجزاً سياسياً عن معرفة خط البداية لحل القضايا المستعصية، واليهود مروا بذلك أيضا ففي التاريخ اليهودي قام النازيون في عام 1933 بحرق 25 ألف كتاب- بما فيها كتابات الشاعر اليهودي هينريك هين الذي تنبأ في عام 1820 بأنه" أينما حرقت الكتب، سيحرق الناس في النهاية"- وبعد 8 سنوات بدأت المحرقة النازية.

اليوم على أصحاب الحق والقضية الحقيقيين -وليس المتاجرون بها- ما العلاقة بين كل هذه المعطيات (الإسلام ، السياسة، اسرائيل)؟

الجواب ببساطة: أنه ومهما حاول العالم أن يحول صراع الفلسطينيين والإسرائيليين إلى صراع أرض وسلام إلا إنه يبقي شيء واحد لن تحل القضية بدونه إنه التاريخ والحضارات والأديان حيث يتوجب اتفاقها وإدراكها لكل الحقائق قبل أن تسمح للسياسة أن تمرر الحلول للعالم عبر ترويض الأرض وسقياها بماء السلام، الأرض هي تاريخ كل شيء مرّ من فوقها، وحلول المشكلات التي تمس الأرض تبدأ بالحديث عن كل تاريخ مرّ فوق هذه الارض وترك أثراً له هناك.

إن شروط السلم والحرب، وشروط المفاوضات والبحث عن سياقات لحلولٍ أخرى ليست مجرد شروط سياسية، ففي القضية الفلسطينية نجد أن هناك عجينة متعددة التكوينات، تخلّق بمواد تاريخية ودينية وحربية وعسكرية ومن ثم بمكونات سياسية، بمعنى أننا أمام معضلة تتجاوز كونها مجرد مشكلة سياسية لتكون معضلة تاريخية، ونحن نعرف جيداً أن القدس وما حولها من مدن قد بللها التاريخ بالدماء، وكانت مكاناً للصراع والنزال منذ عصور مضت ولكن اليوم باستطاعة أصحاب الحق والقضية أن ينهوها للأبد ...

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف