انقلابيون.. لا ثوريون!.
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يوسف الكويليت
الانقلابات العسكرية العربية، باسم تحرير الوطن، وفلسطين، ومكافحة الاستعمار، هي من مهّد للهزائم المختلفة، لأنها أقامت دعاياتها على بروز البطل المنقذ لنقف على سارية العصر مجرد كم بشري يتقاتل مع نفسه، ولنشهد ولادة الربيع العربي الذي أزهر الحروب الأهلية واغتصاب عواصم عربية، ومن هذه الاستهانة بالأمة العربية أن جهزت أميركا آخر جنازة للعرب؛ قضية القدس كعاصمة أبدية لإسرائيل..
في العودة لما يزيد على واحد وستين عاماً شهد أول انقلاب عسكري في سورية بنزع سلطة شكري القوتلي، ليحل بديلاً عنه حسني الزعيم، يومها حل ضباط الثكنة العسكرية مكان البرلمان والمحكمات الدستورية والأحزاب، لأنها صانعة بيئة الاستعمار والعملاء، وبهذه الوتيرة سحب الرأي الوطني ليحل بديلاً عنه سلطة الشرطة السرية وزوار الفجر وقتل أي صوت حر، ولعل ما يفضح هذا التاريخ أن زعماء الدبابات هم من خلقوا الخصومات بينهم وأصبحوا ضحايا واقع مأساوي تكرر مرات عديدة دفعت الشعوب ثمنها الغالي..
فالرئيس المصري محمد نجيب الذي قاد أول انقلاب على الملك فاروق تحول إلى سجين زملاء الثورة، فغيبوا تاريخه رغم بطولاته في حرب فلسطين ومؤهلاته العسكرية والثقافية والقانونية وتحدثه باللغات الإنجليزية والألمانية والإيطالية وغيرها، ومثاليته التي رفعته عالياً بين الشعب المصري، ومشكلته فقط مطالبة الانقلابيين العودة لثكناتهم للتحول إلى الدولة المدنية، فلفق له أكثر من تهمة وعُزل ببيت منفرداً مع عائلته وصفي إبناه الأول والثاني وتحول الثالث إلى سائق تاكسي، ومصير البنات كان الأسوأ لدرجة، كما تقول بعض الوقائع، أنهم تشردوا ووصل الحال ببعضهن إلى أن يشحذن، وهي ليست مصيبة نجيب وحده، فكل من قام عليه انقلاب مضاد لقي نفس المصير هو وكل من يتصل به من قرابة أو نسب..
الناجي الوحيد من سيرة التصفيات المشير عبدالرحمن سوار الذهب الرئيس السوداني الذي تولى السلطة أثناء انتفاضة إبريل 1985م كأكبر رتبة عسكرية في الجيش ثم سلم السلطة لحكومة الصادق المهدي المنتخبة وهي المسألة الغريبة أن يزهد ضابط بأضواء الرئاسة وامتيازاتها بناء على التاريخ العربي لمثل هذه الانقلابات، يماثله بالصورة الأكبر الذي صار رمزاً عالمياً «نلسون مانديلا» الذي كان صورة مشابهة لغاندي، حينما عفا عن معذبيه وسجانيه من البيض، وأعطاهم حق المواطنة الكاملة..
الشعب العربي الذي شهد المأساة المتكررة انعكست على سلوكه بقبول الهزيمة، ليس فقط من عدو تقليدي مثل إسرائيل، أو مستجد مثل إيران وإنما من الرحم الذي أنجبه على أرضه بصفقة زواج خاسرة وضعته وصمة في تاريخه، ومهزلة أمام العالم حينما عجز أن يوفر إقامة طويلة في وطنه..