طوزخورماتو... بلدة عراقية يطاردها التاريخ ولم تنصفها الجغرافيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بغداد
النزاع حول طوزخورماتو الواقعة شمال شرقي العراق ليس وليد ما حصل عقب استفتاء إقليم كردستان في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي وسيطرة القوات العراقية على كركوك والمناطق المتنازع عليها في 16 أكتوبر (تشرين الأول)، بل يعود إلى عمق التاريخ وبدأ من الاسم ذاته. إدارياً، يتبع قضاء طوزخورماتو محافظة صلاح الدين، بينما كان تابعاً حتى عام 1976 لمحافظة كركوك قبل أن يشملها النظام العراقي بتغييرات إدارية.
وهناك نزاع حول ما إذا كانت تسمية «طوزخورماتو» كردية أم تركمانية، بينما تركيبتها السكانية التي تضم «العرب والأكراد والتركمان» هي الأخرى غير ثابتة نتيجة لعمليات التعريب التي طالتها في عهد صدام حسين والتكريد بعد عام 2003؛ مما جعل التركمان «وهم الأغلبية السكانية فيه منذ أقدم العصور ضحية الصراع بين العرب والكرد؛ لأن السيطرة على هذا القضاء بوصفه عقدة تحكم استراتيجية هو مفتاح وحدة العراق ومفتاح تقسيمه أيضاً»، مثلما يرى فوزي أكرم ترزي، عضو البرلمان العراقي السابق عن محافظة كركوك، في حديثه لـ«الشرق الأوسط».
لكن، طبقاً لما يقوله حسن توران، نائب رئيس الجبهة التركمانية، لـ«الشرق الأوسط»، فإن «القصة في قضاء طوزخورماتو ليست وليدة اليوم من خلال تبعات ما حصل بعد الاستفتاء والاتهامات المتبادلة بين هذا الطرف أو ذاك، بل هي تعود إلى ما بعد عام 2003، حيث لم يكن للتركمان أي دور منذ ذلك التاريخ في إدارة القضاء». ويضيف توران: إن «المرحلة الثانية مما يجري في هذا القضاء كانت بين سنوات 2011 إلى 2014، حيث تم استهدافه من قبل التنظيمات الإرهابية في سلسلة من العمليات المعروفة بالمفخخات والتفجيرات كانت نتيجتها 1800 ضحية من مواطني القضاء، ولا سيما التركمان، في مقدمتهم نائب رئيس الجبهة التركمانية السابق علي هاشم»، مبيناً أن «الأطراف المختلفة سواء كانت سياسية أم حكومية لم تبدِ أي اهتمام بما كان يحصل، رغم كل المجازر التي تم ارتكابها حتى وصلنا إلى عام 2015، حيث حصلت مواجهات بين الكرد والتركمان، وكادت أن تتطور، ورغم أن الحكومة تدخلت لفض النزاع، لكنها لم ترعِ حواراً سياسياً بين الأطراف المختلفة يؤسس لتعايش سلمي مستقبلي».
ورداً على سؤال بشأن التطورات التي أعقبت ما حصل بعد استفتاء إقليم كردستان يقول توران: إن «التركمان رفضوا الاستفتاء، وأعلنوا تأييدهم لسلسلة الخطوات التي قامت بها الحكومة لفرض القانون، رغم أن ذلك كان أدى إلى نزوح أعداد كبيرة من الإخوة الكرد من القضاء، وهو أمر غير طبيعي ووقفنا ضده ودعونا إلى إرجاعهم»، لافتاً إلى أن «الغالبية السكانية التي تقطن القضاء حالياً هم التركمان؛ نظراً لنزوح الكرد بعد الاستفتاء ونزوح العرب جراء استهدافهم من قبل تنظيم داعش قبلها». وحول الأسباب التي تجعل هذا القضاء مشكلة مزمنة منذ عام 2003 وحتى اليوم، يقول توران: إن «طوزخورماتو منطقة استراتيجية مهمة جداً تربط بين بغداد وديالى، وصلاح الدين وكركوك، ومحافظات إقليم كردستان، يضاف إلى ذلك وجود حقول نفطية وغازية في هذه المنطقة؛ مما يجلها عقدة نزاع دائم».
وفي الوقت الذي يتحفظ توران عن الإشارة بشكل صريح إلى الجهات التي تستهدف القضاء، سواء كانت من قبل ما بات يعرف بـ«أهل الرايات البيضاء» أو حزب العمال الكردستاني أو مجاميع كردية مثلما يشار، فإن فوزي أكرم ترزي، عضو البرلمان العراقي السابق، يتهم بشكل صريح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» جهات كردية عدة في عملية الاستهداف المستمر للقضاء بهدف إفراغه من سكانه التركمان، ولا سيما الشيعة منهم، قائلاً: إن «ما يحصل الآن من استهداف مستمر لقضاء طوزخورماتو هو ردة فعل للهزيمة التي لحقت بالكرد بعد الاستفتاء بعد أن فرضت الحكومة سلطتها في وقت كانت فيه الأحزاب الكردية ضالعة في تهريب النفط والغاز»، مشيراً إلى أن «الجهات التي تستهدف القضاء، وهم خليط من جماعات الرايات البيضاء والعمال الكردستاني وجهات أخرى تمولها الأحزاب الكردية التي خسرت المواجهة، وكذلك امتيازاتها تقول إن التركمان تعاونوا مع الحكومة، بينما حقيقة الأمر أن التركمان الخاسر الأكبر كونهم يدفعون ثمن الخلافات العربية - الكردية في المناطق ذات الغالبية التركمانية».
ويمضي ترزي قائلاً: إنه «في الوقت الذي حصل الكرد على كل حقوقهم وجهزوا أنفسهم جيداً، فإن التركمان فقدوا حتى حقوقهم الثقافية التي كان النظام السابق منحها لهم». ويوضح ترزي إن «النزاع على المناطق ذات الغالبية التركمانية بدءاً من تلعفر وكركوك وحتى طوزخورماتو إنما هي بداية لتقسيم العراق؛ لأن التركمان هم وحدهم من يحافظ على وحدة الأراضي العراقية».
وأدت سيطرة الحشد الشعبي على طوزخورماتو بعد انسحاب البيشمركة الكردية منها إلى نزوح نحو 30 ألف كردي منها، في حين قالت منظمة العفو الدولية: إن صوراً التقطت بالأقمار الصناعية ولقطات فيديو وصوراً وعشرات الشهادات تدل على أن مئات العقارات تعرضت للنهب وأحرقت ودمرت فيما بدا هجوماً استهدف المناطق ذات الغالبية الكردية في المدينة التي يقطنها 100 ألف شخص.