باحثون عرب وأجانب ناقشوا تحديات اللغة العربية في يومها العالمي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبده وازن
اليوم العالمي للغة العربية الذي اختارته منظمة اليونيسكو في الثامن عشر من كانون الأول (ديسمبر) من كل عام، اختارت المندوبية الدائمة للمملكة العربية السعودية لدى اليونيسكو أن تحتفل به هذه السنة تحت عنوان «اللغة العربية والتقنيات الجديدة»، وهو عنوان إشكالي يعبر عن التحديات التي تواجه لغة الضاد في زمن العولمة والثورات التقنية. وكانت المندوبية دأبت على الاحتفال بهذا اليوم متعاونة مع اليونيسكو منذ عام 2012 الذي تم فيه إعلان هذا اليوم رسمياً وبرعاية مؤسسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخيرية، وبات الاحتفال هذا تقليداً سنوياً يشهده مقر اليونيسكو في باريس هذه السنة شاركت في ندوات الاحتفال نخبة من أصحاب الاختصاص في شؤون العربية على اختلاف مشاربهم، عطفاً على مندوبي المجامع اللغوي والإعلاميين. وألقت كلمة الافتتاح المديرة العامة الجديدة لمنظمة اليونسكو الفرنسية أودري ازولاي في أولى إطلالاتها، وشهد الاحتفال تسليم جائزة الالكسو- الشارقة للدراسات اللغوية والمعجمية بحضور الشيخ سلطان القاسمي حاكم إمارة الشارقة. وتحدثت في الافتتاح رئيسة المؤتمر العام، السفيرة المندوبة الدائمة للمغرب لدى اليونسكو زهور العلوي والامير سعود بن سلطان نائب الأمين العام لمؤسسة الأمير سلطان الخيرية والمندوب السعودي لدى اليونيسكو الدكتور ابراهيم البلوي.
أما محاور الندوات والجلسات فهي: اللغة العربية والعلوم: العمق التراثي والمعرفي وتحدث فيها وزير الثقافة اللبناني غطاس خوري، رئيس مجمع اللغى العربية في الأردن خالد الكركي، الوزير الفرنسي السابق بيار جوكس، الوزير الجزائري السابق مصطفى الشريف، والباحث السعودي صالح الخليفي. الجلسة الثانية عنوانها «التخطيط اللغوي ودوره في نشر اللغة العربية وشارك فيها عبدالعزيز السبيل، الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية، عبدالله الوشمي، الأمين العام لمركز جائزة الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية، هنري العويط، الأمين العام لمؤسسة الفكر العربي، الأكاديمي جرجورة حردان، رشدي راشد، سلام دياب دورانتون، الكاتب الفرنسي جان بروفست، عباس الفحام، ندى يافي. الجلسة الثالثة دارت حول «هندسة اللغة واستخدام التقنيات الجديدة في تعليم اللغة العربية، وشارك فيها المندوب التونسي لدى اليونيسكو غازي غرايري، المندوب الصربي داركو تانا شكوفيك، عبدالمحسن العقيلي، حسن الشمراني وسواهم. الجلسة الرابعة عنوانها «اللغة العربية حاضراً ومستقبلاً»، وشاركت فيها وفاء آل خليفة المندوبة البحرينية، سعيد السعيد، عبد الحق عزوزي، ليلى السبعان، عبده وازن. الجلستان الخامسة والسادسة كانتا جلستين نقاشيتين تحت عنوان واحد هو «آلية التنسيق بين المؤسسات اللغوية» وشارك فيهما: خالد الكركي، حسن الشافعي، رئيس اتحاد المجامع اللغوية العربية، محمد صافي المستغانمي، الأمين العام لمجمع اللغة العربية في الشارقة، عبدالسلام المسدي، أحمد شحلان، عبدالحميد مدكور الأمين العام لاتحاد المجامع اللغوية العربية، أحمد يوسف وسواهم. أما اختتام الاحتفال فكان موسيقياً في حفلة أحياها الفنان العراقي نصير شمة مع فرقة «كلوبال»، وقدم خلالها معزوفات عربية وشرقية متنوعة من التراث إضافة إلى معزوفات جديدة.
وفي مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية أصدرت المندوبية السعودية كتابين واحد بالعربية عنوانه «اللغة العربية حاضراً ومستقبلاً» والثاني بالفرنسية وعنوانه «اللغة العربية لغة كونية» وقد أشرف عليهما الدكتور ابراهيم البلوي. وجاء في تقديمه للكتابين: «يشهد العالمُ اليوم مرحلةً جديدة في التعاطي مع اللغات بدأت في العقدين الأخيرين مع تطوّر التقنيات الحديثة والثورة المعلوماتيّة ووسائل الاتصال الجديدة. اللغة العربية تُعتبر من أقدم اللغات الحية إن لم تكن أقدمها على الإطلاق، وهي إحدى اللغات الرسميّة في معظم الهيئات والمنظمات الدولية كالأمم المتّحدة ومنظمة اليونيسكو على سبيل المثال، ويتجاوز عدد المتحدّثين بها كلغةٍ أولى 450 مليون شخص في العالم، ناهيك بأكثر من مليار مسلم يستخدمونها في شكلٍ يومي. هذه اللغة هي الآن في قلب هذا التحوُّل الكبير الذي يطاول اللغة بمقدار ما يطاول المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعيَة وتفاعلها جميعاً مع الفضاء الرقميّ. واللغة العربيّة، كسائر لغات العالم، تواجه أيضاً التحدّيات التي يفرضها زمن العولمة وانعكاساته على كافّة الميادين والحقول.
الأسئلة الكثيرة التي تواجه اللغة العربية الآن هي جزءٌ لا يتجزّأ من الأسئلة المطروحة على الثقافة العربيّة نفسها ككلّ، ولا تنفصل عن المسعى الدائم إلى إيجاد الموقع الذي تستحقّه هذه الثقافة ولغتها بين ثقافات ولغات الشعوب قاطبة. كيف لا والثقافة العربيّة كان لها دورٌ مهمّ في الوصل بين الثقافات المختلفة، وفي النهضة الأوروبيّة بالأخصّ، من خلال إسهامها العلميّ والفكريّ مع أعلامٍ كبار من أمثال ابن رشد وابن خلدون.
في هذا السياق، تجرى حالياً محاولات دؤوبة لتطوير استعمالات اللغة العربيّة والانسجام مع الحواسيب والأنظمة الإلكترونيّة الحديثة في شكلٍ عامّ. وأكّدت هذه اللغة على حضورها في الفضاء الافتراضي إلى جانب اللغات الأخرى. في موازاة ذلك، هناك وعي متنامٍ لأهمّيّة تطوير المعجم العربي والاهتمام بتوحيد المصطلحات بما يتلاءم والعلوم الحديثة، لكن دائماً ضمن الحرص على خصائص اللغة العربيّة وخصوصيتها.
بمناسبة اليوم العالمي للّغة العربية هذا العام، والذي تحتفل به منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة منذ عام 2012، وفي إطار خطة اليونيسكو الدولية لتنمية الثقافة تعمدُ مندوبيّة المملكة العربية السعوديّة لدى «أرابيا» العربية اليونيسكو، إلى الخوض في التساؤلات والتحدّيات المطروحة أمام لغة الضاد من خلال كتاب يشارك فيه عددٌ من البحّاثة والمختصين. يتناول الكتاب موضوع اللغة من جوانب مختلفة يمكن اختصارها في ثلاثة محاور: اللغة العربية والتقنية الجديدة، الاستثمار في اللغة العربيّة واللغة العربية في البلاد غير الناطقة بها. تركّز هذه المحاور على العلاقة بين اللغة العربية واستعمالاتها في ضوء التقنيات الجديدة، وكذلك تعزيز معرفتها ونشرها، وانفتاحها على بقيّة اللغات، من خلال الترجمة خصوصاً واشتقاق المصطلحات المناسبة من جانب آخر، هناك كذلك إضاءة على دور المؤسّسات اللغوية العربيّة والرؤية المستقبليّة للّغة العربيّة. وحرصنا في كتاب «اللغة العربية حاضراً ومستقبلاً: التحدّيات والتطلّعات» على إشراك أصحاب الكفاءة والخبرة والاختصاص في تقديم أبحاث تساهم في الوقوف، ومن زوايا عدة، على وضع اللغة العربية والتحديات التى تواجهها اليوم، فنحن مدينون بصدور هذا الكتاب لنخبةٍ من الأساتذة والكُتَّاب المختصين، الذين زودونا ببحوثهم القيّمة، سواء كان هؤلاء من الوطن العربي أو من خارجه ممّن لديهم اهتمامٌ باللغة العربية وثقافتها، بحكم أنّ اللغة عابرةٌ للحدود، فلكلّ من ساهم في التحرير والإخراج والطباعة بالغ الشكر وفائق التقدير.
إنّ الاهتمام باللغة العربيّة، حاضراً ومستقبلاً، لا يقتصر على يومٍ واحد في السنة ولا على كتابٍ واحد، بل هو مشروعٌ متكاملٌ ومُستدام يتطلّب من جميع المعنيين، أفراداً ومؤسّسات، النهوض به ودفعه دوماً إلى الأمام.
وختاماً، تأمل مندوبية المملكة العربية السعودية لدى اليونسكو أن يكون هذا الإصدار قد حالفه التوفيق في طرح رؤىً جديدة قابلة للتطوير والاستثمار في المستقبل».