استراتيجية ترامب.. حدود العمل والأمل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ديفيد فون دريهل
رصد دين أتشيسون، وزير الخارجية في عهد الرئيس هاري ترومان، وهو أحد أعظم الدبلوماسيين في التاريخ الأميركي، في مذكراته أكثر من عشر سنوات اعتبرها هي الأكثر تأثيراً في تاريخ العالم. وكتب أتشيسون يعلل كتابته المذكرات التي نُشرت في عام 1969 مشيراً إلى أن ستينيات القرن «جعلت البلاد وخاصة شبابها تعيش مزاجا من الاكتئاب وخيبة الأمل والانسحاب». وفي هذه اللحظة شعر بأنه من المهم «سرد قصة التصورات الكبيرة والإنجازات العظيمة وبعض مواضع الفشل ونتاج الإرادة والجهود الهائلة».
ونحن الأميركيين نجد أنفسنا الآن في لحظة مشابهة، خائبي الأمل بشدة وقلقين وأيضاً مكتئبين ونتوق فيما يبدو إلى الانسحاب من قيادة العالم لننخرط في مناقشات عقيمة عن أمور تافهة مثل استهلاك الرئيس للصودا. ولكن العالم من حولنا يضغط علينا. فعلى رغم ضعف الاقتصاد الروسي، يحكم الرئيس فلاديمير بوتين البلاد مثل قيصر، ويشن حرباً رقمية على الغرب، ويتدخل ضد مصالحه. والزعيم الصيني شي جين بينج، أعلن في أكتوبر الماضي عن خطط لتشديد قبضته على بلاد تميل مرة أخرى نحو الشمولية، ويتحدى الولايات المتحدة مباشرة وحلفاءها في الاستحواذ على النفوذ الدولي.
وقد أظهر تقرير شيق ومثير للقلق في الإصدار الجديد من مجلة «وايرد» مدى السرعة التي انتقل بها الاقتصاد الصيني إلى مجال الدفع عن طريق الهواتف المحمولة، ومدى السهولة التي تحولت بها هذه التقنية إلى شبكة لتعقب كل حركة ونشاط الشعب الصيني. ويجمع النظام الصيني قواعد بيانات هائلة تتضمن كل شيء من الحامض النووي إلى اختبارات القدرات لطلاب الجامعات، وتاريخ التسوق، إلى الدوائر الاجتماعية. والصينيون الذين يتبعون أنماط حياة متسقة مع توجهات الحزب يكافؤون، بينما يلقى المعارضون مستقلو التفكير عقاباً صارماً. وقد ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أن الصين سيكون لديها أكثر من نصف مليار كاميرا مراقبة مثبتة بحلول عام 2020، مستخدمة الذكاء الصناعي للتعرف إلى الوجوه.
وفي هذا السياق قال ين جون من شركة «داهوا تكنولوجي» الرائدة في مجال كاميرات المراقبة لصحفي من هيئة الإذاعة البريطانية: «يمكننا مضاهاة كل وجه مع بطاقة الهوية، وتعقب كل حركاته في فترة تمتد لأسبوع سابق. ويمكننا أيضاً المزاوجة بين وجه الشخص وسيارته وأقاربه والأشخاص الذين يتصل بهم. ومع توافر ما يكفي من الكاميرات يمكننا كذلك معرفة الأشخاص الذين دأب على مقابلتهم». وبلاشك فإن هذه الدولة التي ترى كل شيء ستستخدم بياناتها لتعزيز القبضة على شعبها. ومنذ عام 2013 شنت حملة على المجتمع المدني. وفي يوليو الماضي توفي الكاتب والناشط الحقوقي الصيني ليو شياوبو ليصبح أول كاتب حائز على نوبل يموت في المعتقل منذ الحرب العالمية الثانية.
واليوم كما كان في أيام أتشيسون، ليس لدى العالم بديل جيد للقيادة الأميركية. وهذا ما جعل كلمة التنصيب للرئيس دونالد ترامب العام الماضي محبطة لكثيرين منا. وقد رفض ترامب فكرة التحالفات والشراكات التي تحقق الفوائد المتبادلة لشعوب حرة وأسواق حرة تقف ضد الطغاة.
ولكن هناك بصيص أمل في وثيقة «استراتيجية الأمن القومي» التي نشرها البيت الأبيض يوم الاثنين الماضي. وعلى رغم أن الوثيقة ليست مثالية لكن الاستراتيجية قطعت عدة خطوات في الاتجاه الصحيح، حيث أقرت بمخططات روسيا المعادية، ورصدت التحديات الصينية طويلة الأمد، وبدأت تتصالح مع مبدأ ترامب «أميركا أولًا»، مع الالتزام بإعادة البناء والتجديد وتوسيع «فريق الحرية» حول العالم.
وجاء في الوثيقة «بعض من أعظم انتصارات الكفاءة السياسية الأميركية يبدو في مساعدة الدول الضعيفة والنامية لأن تصبح مجتمعات ناجحة» في رفض مُرحب به لسياسة ستيف بانون غير المجدية في الفترة المبكرة من إدارة ترامب. وجاء في الوثيقة أيضاً أن «هذه النجاحات في المقابل خلقت أسواقاً مربحة للأعمال الاقتصادية الأميركية، وخلقت حلفاء يساعدون في تحقيق توازنات إقليمية وائتلاف من الشركاء يساهم في تحمل الأعباء ويعالج حزمة من المشكلات حول العالم». ومهمة إعداد أنفسنا وحلفائنا للعمل للمستقبل أكثر صعوبة الآن مما كان يفترض أن تكون عليه بغير اندفاعية ترامب وتصرفاته على مدار العام الماضي. ولكن الجانب المشرق في الأمر هو أن الرئيس حصل على فريق للأمن القومي استطاع إنتاج استراتيجية معتدلة وواضحة وواسعة النطاق في إطار زمني ضيق.
وإذا اعتمد ترامب على هذا الفريق في المعلومات والنصح، وليس على توجهاته التي شتتت انتباهه أحياناً، فسيكون لدينا وقت لإصلاح ما حدث من ضرر في السياسة الخارجية في الماضي القريب والتحرك في الاتجاه الصحيح.
* كاتب أميركي
«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»