بند الممنوعات!.
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يوسف الكويليت
لاتزال فئة في مجتمعنا ترى في الكتاب الثقافي والعلمي تطاولاً على الدين وإفساد المجتمع، وآخرون، كما يقرؤون قديماً في باب القراء، أن القراءة (هواية) والثقافة (ترف) بينما أكثر من تعرض للإهانات والمطاردة والسجون، المثقف الحر، لا مِن بيع في سوق المزايدات، وإنما من أدخل نفسه دور الناقد المستقل..
الثقافة، في العالم الثالث، لعنة على صاحبها لأنه يفرز نفسه عن الآخرين بالفهم والتحليل واستنباط أحكام الحياة العامة وسيرورتها، والثقافة ليست حفظ متون وأشعار وجمل، وإنما معاناة وصبر ومقاومة ضد اليأس، وانفتاح على المشروع الإنساني المحب للحياة، ولذة في تخيل الصورة والتجربة البشرية..
صورة المثقف لا تزال سلبية عربياً، فكما تقول آخر إحصائية لليونسكو، كل ثمانين عربياً يقرؤون كتاباً في السنة، بينما حصة الأوروبي خمسة وثلاثون كتاباً في العام، مفارقة هائلة، لماذا؟ لأن الاهتمام بتأسيس بنية اجتماعية مثقفة تبدأ من الفصول الأولى في المدرسة، إلى طالب الجامعة وانتشار المكتبات العامة في الأحياء، واعتماد بند في الميزانيات العامة لتشجيع دور النشر في تبني الكتاب بسعر مقبول، كلها خارج الخطط الاجتماعية، حتى أن سيطرة الوعي الأحادي زمن الصحوة هو من صنع التحريم للكتاب واحتكاره وحجبه عن المجتمع لإبقائه قطيعاً أمياً يسهل تسييسه وتدجينه..
لقد عانينا مصادرة الكتاب في مداخل المملكة وعيون الرقيب حتى أن تمزيق صفحات الكتب كانت الوسيلة للفسح ونهاية الموضوع لأن قيمته انتهت، وليت الرقيب الذي طالما جرجر كتاب الرأي أو من نشر الخبر، فئات تعرف ما تقرأ، وعدم تجزئة المضمون أو تأويله، بل كانوا يطلقون أحكامهم من قناعاتهم وحدهم، وقد كانت عقوبات ليس لها نظام أو قانون بل رقيب مطلق الحرية، حتى أنني أتذكر من صنف الأشخاص بما يقرؤون، وهي كارثة أخلاقية، أي ليس من يقرأ ماركس، شيوعياً، أو إنجيل (متّى) مسيحياً، فالاطلاع حق مشاع على الأفكار والثقافات، لكننا مثقلون بالوعي المزيف، صحيح أن هناك كتباً تبشيرية بالأيدلوجيات والأديان، وهناك محاولات لهيمنة ثقافة على أخرى لأهداف سياسية لكنها أمام التحولات العالمية وانتشار الوعي، باتت من الماضي، ولهذا السبب لابد من استعادة قناعاتنا بأن الكتاب ليس عدواً أو أن معارض الكتب تستهدف مقدساتنا وموروثاتنا التاريخية لتخريبها..
نشر الكتاب وتشجيع التأليف، ورعاية الكفاءات في مختلف الاختصاصات، هدف وطني، وقد رأينا دولاً عديدة تحتفل بعظمائها من المفكرين والفنانين والعلماء ونحن الآن نخطوا لإعادة النظر بحالات التقهقر لصنع جيل بلا مخاوف وممنوعات؛ لنرى بلدنا طليعة علمية وثقافية لا تصادر الوعي أو تحرّم الثقافة..