الفكر العربي والبحث العلمي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أحمد الغز
أسس رئيس مؤسسة الفكر العربي لثقافة السؤال العربي الجديد، وهذا الأمر تطلب جرأة كبيرة لأننا كنا نعيش لعقود طويلة على ثقافة الإجابات الجاهزة وحديث المؤامرات
يحتاج العرب إلى الكثير من التفكير والعمل والبحث، بعد خمس سنوات من الخراب والدمار والتهجير والاستنزاف استهدفت عشرات الملايين من العرب مباشرة بأمنهم وحياتهم وسكينتهم، وتركت آثارا بالغة على اقتصادات دول أخرى تحمّلت أعباء تلك الأزمات وتداعياتها. وأصبح الجميع اليوم يعرف أن ما شاهدناه خلال السنوات الماضية على شاشات التلفزة لم يكن مجرّد أخبار بالصوت والصورة إنما هو خراب ودمار، وسيترك آثاره على مجتمعاتنا لسنوات طويلة.
إن تلك التداعيات على مدى ما يزيد على خمس سنوات تحتاج الآن إلى سيل من الأبحاث والدراسات. ولم يعد من الممكن أن نكتفي بمشاهدة الأخبار لنكون بذلك نتابع الأحداث، لأن المطلوب الآن هو التفكير بكيف نخرج من تلك الأزمات، وما هي السبل التي تمنع تكرارها، وما الآثار الاجتماعية والاقتصادية لذلك الدمار الكبير. وهنا يأتي السؤال الآن هل ما كنّا نسمعه ونشاهده عبر نشرات الأخبار يمكن أن نسمّيه معرفة، أم أن المعرفة هي أعمق من أن تكون مجرد خبر من هنا وهناك؟
أعتقد أننا الآن قد أدركنا أهمية صرخة الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسّسة الفكر العربي عندما قال "لماذا لا نخرج ببديل، مبني على دليل؟.. لماذا لا نطرح فكرا نهجا جديد؟".. أي أنّه لم يعد بالإمكان أن نتابع أمورنا بدون البحث العلمي المبني على دليل. وهذا ما قامت بطرحه مؤسسة الفكر العربي في أعمالها التفاعلية، وهي دعوة المشاركين في مؤتمرها لوضع أسئلتهم حول أهمية العلاقة بين البحث العلمي والإعلام.
إن التحولات الاجتماعية التي تعيشها مجتمعاتنا تحتاج إلى ورشة بحثية علمية عميقة في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهذه هي الأهداف الجديدة التي وضعها رئيس مؤسسة الفكر العربي للسنوات القادمة، على أن تكون بشكل دوري وممنهج لتعميم ثقافة البحث العملي بعد أن قام سموه في التأسيس لثقافة السؤال العربي الجديد. وهذا الأمر كان يتطلب جرأة كبيرة لأننا كنا نعيش لعقود طويلة على ثقافة الإجابات الجاهزة وحديث المؤامرات، دون أن نحاول تحمّل مسؤولية ما نحن عليه.
إن استحضار مبادرة الأمير خالد الفيصل الآن سببها المباشر هو انشغال العالم والمراكز البحثية بدراسة التحوّلات التي ستحدث نتيجة سياسات الرئيس الأميركي ترامب، وكذلك الأمر في أوروبا بعد "البريكست" البريطانية Brexit، حتى تكاد تنشر كل دقيقة دراسة أو تقريرا. أمّا نحن فمنشغلون بمتابعة أخبار الدمار في سورية وليبيا والعراق واليمن وسيناء وفلسطين والاستيطان، في حين أن مراكزنا البحثية تحتاج إلى الدعم والتشجيع وتفتقر إلى فكر نهج جديد.
العالم مشغول بالتطورات التي أحدثها انتخاب ترمب، وهذا طبيعي وعلينا نحن أيضا المتابعة والتركيز والاهتمام. ولكن أيضا علينا أن نبتكر آليات جديدة لصناعة كل الأسئلة والإجابة عليها والنقاش حولها. وخير دليل هو متابعتنا للمنتدى الروسي العربي الرابع الذي عقد بالأمس في أبو ظبي والذي لا نعرف شيئا عن مساراته منذ تأسيسه حتى الآن، كما لا نعرف لماذا لم يسبق بدراسات وأبحاث تناقش مستقبل العلاقة بين العرب والروس، بالإضافة إلى العديد من المؤتمرات والمنتديات الدولية التي تعالج قضايانا العربية بمعزل عن فكرنا وأبحاثنا. ويظهر ذلك جليّاً من خلال التغطية الإعلامية العربية لتلك الاجتماعات أو المؤتمرات أو المنتديات، والتي تكتفي بـ"التقى فلان مع فلان"، أو بأحسن الأحوال تنقل مباشرة المؤتمرات الصحفية في الانطلاق أو الختام.
أعتقد أن الخروج ببديل مبني على دليل ليست مسؤولية الأمير خالد الفيصل منفرداً، رغم ثقتي بقدرته على النجاح في تحقيق الأهداف التي يعلنها، إنما في هذه الظروف هي مسؤوليتنا جميعاً، كتّابا وأصحاب أعمال وباحثين ومسؤولين. كما أنّه من واجب الإعلام أيضا أن يسعى إلى البحث العلمي ليقدّم الخبر وأسبابه ونتائجه وآثاره على المتلقي والمشاهد والمستمع والقارئ. وأعتقد أنه لا بد من الاطلاع على النتائج البحثية للورشة التفاعلية في مؤتمر مؤسسة الفكر العربي في أبو ظبي حول الإعلام والبحث العلمي.
يدرك الجميع أننا ربما قد تأخرنا بعد أن سبقنا الأصدقاء والخصوم، وأننا بحاجة ماسة إلى تفعيل مبادرة الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي، وإطلاق ورشة البحوث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتكون في خدمة العرب قادة وشعوبا.