جريدة الجرائد

ماذا بعد حفلة جدة الغنائية؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

رجا ساير المطيري

لم يكن منظر الجمهور وهو يردد أغاني محمد عبده في حفلة جدة إلا دليلاً ناصعاً على المقومات الاستثنائية التي تملكها المملكة في صناعة الترفيه ولا تتوفر في أي بلد خليجي آخر. أعطني جمهوراً محباً للفن، شغوفاً بالموسيقى، مثل جمهور جدة وأضمن لك صناعة فنية متطورة وراقية تُمتع الناس وتغرس البهجة في حياتهم، وتحقق في الوقت ذاته حراكاً اقتصادياً فعالاً يخدم الوطن ويخلق الوظائف وينفع الجميع.

أكثر من ستة ملايين ريال أرباح هذه الحفلة، وهذا رقم كبير لا تحققه أي حفلة من حفلات محمد عبده ولا أي فنان سعودي في الخارج. وقياساً على لهفة الجمهور وحماسة الناس في تلك الليلة، أجزم أنه لو تم وضعها داخل استاد الجوهرة ذاته فإن مقاعده الستين ألفاً ستمتلئ بكاملها، مع احتمالية تحقيق أرباح لا تقل عن 15 مليون ريال، لتصبح الحفلة الغنائية الواحدة -من هذه الناحية- أثقل وزناً من مباراة ديربي في دوري عبداللطيف جميل، بكل ما يحظى هذا الدوري من زخم ومتابعة جماهيرية كبيرة.

بهذا المقياس الاقتصادي الصرف نتحدث عن الحفلات الغنائية؛ أرباح مليونية ومقومات جاهزة لنمو صناعة فنية واعدة أهمها الجمهور المستعد للدفع من أجل فنانه المفضل. وحفلة جدة تعتبر معياراً مهماً في هذا الاتجاه، ومثالاً ممتازاً لخدمة هذا القطاع للاقتصاد الوطني بشكل عام، ذلك أن الأرباح التي تحققت ليست في الستة ملايين ريال ذاتها، بل في أن هذه الملايين تحديداً لم تخرج من البلد، ولو لم تكن هذه الحفلة فإن الجمهور الشغوف سيلحق -حتماً- بفنانه المفضل إلى أي مكان في الخارج، وسيصرف قيمة التذاكر ويزيد عليها تذاكر طيران وأجور سكن ومصروفات يومية، أي أضعاف الستة ملايين، ما يعني أن حفلة واحدة أبقت ملايين الريالات داخل دائرة الاقتصاد الوطني وأوقفت نزيف النقد للخارج.

أمام هذه الأرقام المشجعة.. ماذا بعد حفلة جدة؟. إذا كنا نتحدث عن صناعة منتجة ومثمرة فإنه لابد من فتح المجال بشكل أكبر أمام كل المستثمرين في هذه الصناعة؛ من متعهدي الحفلات، فنانين، وشركات الخدمات المساندة (طباعة تذاكر-دعاية-أمن صناعي وغيرها من الخدمات اللوجستية)، لتنظيم المزيد من الحفلات في كل مناطق المملكة، وأن لا يقتصر الأمر على شركة أو اثنتين من الشركات الكبيرة، لأن هذه الصناعة بأرقامها المليونية أكبر من قدرات أي شركة، إضافة إلى أن مفهوم الصناعة -بما يعنيه من خدمة للاقتصاد الوطني- لن يتحقق إلا بشراكة جماعية من كل الأطراف المعنية؛ مستثمرون، منتجون، مقدمو خدمات وجمهور شغوف.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف