«حماسة» ترامب ودولة القانون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سمير السعداوي
ليس مستبعداً أن ينتهي «كباش» المحكمة الفيديرالية والرئيس دونالد ترامب، إلى اتهامه بازدراء القضاء، ما يثير أزمة دستورية تستدعي تدخل الكونغرس لكبح جماح الرئيس البالغ الحماسة. وليس غريباً أيضاً أن يواجه القضاء أو الكونغرس رئيساً أميركياً، وأحدث سابقة على ذلك فضيحة «مونيكا غيت» التي طاولت بيل كلينتون، وقبلها «ووترغيت»، التي حوكم على إثرها ريتشارد نيكسون بالتجسس على خصومه الديموقراطيين، ما اضطره إلى الاستقالة، بعد تهديد الكونغرس بإدانته.
صحيح أن ترامب لم يضبط متلبساً فضيحة، لكنه يشكّل بحد ذاته «ظاهرة» أطلقت عليها تسمية «ترامب غيت»... دليل على هامش الحرية التي يتمتع بها الناشطون في أميركا على مواقع التواصل الاجتماعي، ناهيك عن أولئك الذين نزلوا إلى الشوارع بالآلاف، ووقفوا على أبواب المطارات يهللون ويصفقون ترحيباً بكل وافد ذي ملامح شرقية، يتمكن من تجاوز بوابات التدقيق بالجوازات، حتى وصل الأمر إلى حد امتناع مدعين عامين عن الدفاع عن أوامر ترامب خلال نظر المحاكم في شكاوى وطعون من جانب مواطنين من الدول السبع مستهدفين بمنع الدخول.
كان على القضاء أن يتدخل ليس لأن السبل تقطعت بهؤلاء، بل لأنه لا يتعين إطلاق يد أي مسؤول ولو كان رئيساً، في تنفيذ إجراء يشكل تمييزاً ضد دين أو عرق كما هو الحال بالنسبة إلى أمر منع الدخول الذي اعتبر القاضي أنه يستهدف المسلمين. بهذا المعنى تتجلى الضوابط المفروضة على تجاوزات أي سلطة أياً يكن مستواها، مثالاً حياً على دولة القانون المستندة إلى مبدأ فصل السلطات، فلا الإدارة التنفيذية قادرة على قمع القضاء وإسكاته، ولا القضاء قادر بمفرده على عزل رئيس أو الحد من صلاحياته، من دون اللجوء إلى ممثلي الشعب المنتخبين.
وبالتالي يتحقق توازن وتعاون بين السلطات واحترام كل منها الاختصاصات الوظيفية المنوطة بالأخرى، وتتحقق أيضاً رقابة متبادلة بين السلطات بما يضمن حماية حقوق الأفراد وحرياتهم، حتى ولو كان المشتكون المعترضون هنا «غرباء» لا يحملون جنسية البلاد ولا جواز سفرها. على الضفة الأخرى من الأطلسي، تحدى أفراد محاولة رئيسة حكومة المحافظين تيريزا ماي، المضي قدماً في خطة وضعتها بمفردها للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، بعد تصويت غالبية هزيلة (52 في المئة ضد 48) على قرار الانسحاب في استفتاء عام في حزيران (يونيو) الماضي.
وقرر القضاء البريطاني «قطع الشك باليقين»، بضرورة موافقة مجلس العموم (البرلمان) على الانسحاب، ولا يزال نواب ومن بينهم محافظون متمردون على ماي، يواصلون الضغط من أجل أن تكون للمجلس الكلمة الفصل في خطة الانفصال عن أوروبا، خصوصاً بعدما أثارت رئيسة الحكومة حفيظة كثيرين، بإعلان عزمها على طلاق نهائي يشمل الانسحاب من السوق الأوروبية المشتركة، الأمر الذي اعتبره بعضهم «قفزة من حافة هاوية» عملاً بالمثل الانكليزي.
وفي ظل غالبية بسيطة لـ «المحافظين» في البرلمان، فإن الحكومة قد تجد نفسها في مواجهة انتفاضة، تجردها من القدرة التي تستمدها من النظام البرلماني، لتواجه ممانعة في مجلس اللوردات، حيث تبرز معارضة شرسة لفكرة التخلي عن السوق الأوروبية المشتركة، على رغم الاعتقاد السائد لدى غالبية الطبقة السياسية في المملكة المتحدة بأن الاتحاد الاوروبي بات أشبه بـ «سفينة غارقة». ربما يكون مجحفاً بحق ترامب وماي إعطاء انطباع بأنهما يتصرفان بمجرد نزعة سلطوية ولا يملكان خطة عقلانية، لكنه يتعين عليهما، التمعّن في مقولة رئيس الوزراء البريطاني المحافظ هارولد ماكميلان بأن «السياسة تمليها الأحداث لا الخطط»...