البابان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
أمضينا العام 1991، إلا قليله، في نيقوسيا، قبرص. وكنا نعرف أكثر من سوانا أن الجزيرة مقسّمة، لأن العميد ريمون إده كان يحذر منذ السبعينات من «قبرصة لبنان» بين جزء مسلم وآخر مسيحي. وبعد إقامة قليلة أدركت مدى حدة الانقسام. فقد أخبرني زملائي أن كل من يعبر إلى الجانب التركي، يصبح موضع شبهة. ورووا أن أحدهم، وهو معروف بشغف واحد، هو التوفير، اكتشف أن أسعار اللحوم في الجانب التركي أقل بكثير منها في اليوناني، فصار يعبر الخط الأخضر باستمرار. وشكّّت الشرطة في أمره، فأرسلت خلفه المخبرين طوال أسابيع. وفي النهاية رفع هؤلاء تقريرًا عنوانه: «أسعار الضاني».
لم أواجه تلك المشكلة لأنني شبه نباتي. ومع ذلك، كان يساورني فضول بمعرفة الفارق بين أهل مدينة واحدة، يعيشون في هدوء كلي، ولكن من دون أن يتبادلوا حتى التحيات. حي واحد ينقسم إلى قسمين، مثل برلين. أو مثل الحدود الفرنسية السويسرية، حيث بعض المنازل بابها في سويسرا وشباكها عند العم فولتير. وعندما نتذكر أن أفكار السويسري روسو والفرنسي فولتير أدّت إلى قيام الثورة الفرنسية، لا بد أن نرتاب قليلا.
على الرغم من الفضول، لم أحاول العبور، عملا بالمثل القائل «الباب الذي تأتي منه الريح، سدّه واستريح». لكن بقيت فكرة لا تقاوم. غمرني حنين إلى فندق «ليدرا بالاس» الذي لي فيه ذكريات جميلة، سابقة لقرار بولند أجاويد بضم الجزء التركي من الجزيرة. والفندق يقع في قلب الخط الفاصل. وفي أي حال، لم يعد فندقًا للذكريات، بل أصبح مقرًا للخوذات الزرقاء، التي كل مهمتها تسجيل الحوادث بعد وقوعها، والتأكد من إحصاء عدد الضحايا.
وكنت أشكو الأمر مرة إلى مجموعة من الأصدقاء، فخرج أحدهم بفكرة عبقرية: على الخط الفاصل مقهى يواجه فندق «ليدرا بالاس» صاحبه لبناني قبرصي، ويرفع على الجدران صور الرئيس كميل شمعون. هلموا بنا. وفي اليوم الثاني توجهت إلى المقهى. كان بسيطًا جدًا مثل مقاهي القرى. وصاحبه جاء جدوده من لبنان، أما هو فلا يتحدث العربية ولا «اللغا اللبنانيي». إذن، من أين أتت صور كميل شمعون؟ فكر قليلا ووضع «المريول» على الطاولة، وقال: «إنه الأكثر وسامة. هكذا أقهر القبارصة».
وأنا أودعه، لاحظت مَعلمًا لبنانيًا آخر: للمقهى بابان، واحد على الأتراك وواحد على اليونانيين. تقاليد الحدود..