جريدة الجرائد

«حزب الله» يدشن العودة إلى «زمن الانتصارات»!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

 هدى الحسيني 

 قال الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لـ«حزب الله» في 17 من الشهر الحالي، إن «إيران غيرت وجه المنطقة ورفدتها بعناصر القوة والثبات (...) ودعمت (حزب الله) في لبنان». وأضاف: «يفتخر (حزب الله) بعلاقته مع إيران، فقد عرف منها كل الخير والمقاومة والكرامة والانتصار»، ثم أكد أن «إيران تطمح بشكل مشروع أن تنقذ شعوبًا وبلدانًا»!


معروف مصير البلدان، خصوصًا العربية التي أرادت إيران إنقاذها وإنقاذ شعوبها؛ من العراق، حتى سوريا فاليمن. أما لبنان فإنه كلما حاول شعبه التنفس، وحاول اقتصاده الإقلاع، يأتي ما يشبه «الطفرة» من «حزب الله» على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله، لتدفن كل الآمال والتطلعات تحت تهديدات يدفع ثمنها كل لبنان، في حين أن الحزب يقبض ثمنها من إيران!
هذه الإيران المرتاحة داخل جلدها، وتريد توزيع قوتها وثباتها علينا، أعدمت الشهر الماضي 87 شخصًا، أي إنسان كل تسع ساعات، بما في ذلك اثنان من اليافعين، وست عمليات إعدام علنية.
هذه الإيران التي تثور غضبًا ومراوغة لأن الدول العربية لا تغريها «الانتصارات» التي تحققها عبر «حزب الله» و«حماس» و«الحوثيين»، ولكثرة ثقتها بنظامها، تعمد، حسب بحث أجرته مؤسسة حقوق الإنسان الإيرانية، إلى مضاعفة عمليات الإعدام في الأشهر التي تسبق الانتخابات الرئاسية، ثم تخفض العمليات أو توقفها قبل أسبوعين من موعد الانتخابات، تمامًا مثل ما يشبه «الطفرة» التي تصيب «حزب الله» في لبنان، كلما علا الحديث عن قانون انتخاب، أو استعداد اللبنانيين لاستقبال سياح ومستثمرين عرب. مؤسسة حقوق الإنسان الإيرانية قلقة من موجة الإعدامات التي بدأت وفي تزايد. يشجع السلطات الإيرانية على ذلك عدم وجود رد فعل من جانب المجتمع الدولي. وفي تقرير وزارة الخارجية الأميركية الأخير حول حقوق الإنسان، احتلت إيران المركز الثاني في العالم بعدد الإعدامات، بعد الصين، لكن مقارنة بعدد السكان بين البلدين، فإنها تحتل المركز الأول (قد تكون الإعدامات من أبرز الانتصارات التي يتحدث عنها الثنائي نصر الله - قاسم).
طوال السنوات الثماني الماضية، حاول الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أن يجد قادة معتدلين في إيران. وسيظل الحكم على أدائه كيف أن زعيم العالم الحر والديمقراطي تعامل مع نظام ديكتاتوري تجاهل مبدأ حقوق الإنسان، ومارس قتلاً منهجيًا ضد الشعب الإيراني البريء، وارتكب الأعمال الإرهابية خارج إيران، وزعزع السلام في المنطقة. ورغم أن أوباما تعمد وعن قصد عدم إثارة موضوع الإرهاب وحقوق الإنسان، فإن التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية حول الإرهاب في العالم أكد مواصلة إيران دعم ميليشياتها المسلحة في العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن، وأنها تواصل العمل على تنامي نفوذها في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية.
من يقوم بتخطيط وتنفيذ الأعمال الإرهابية خارج إيران، وينتهك حقوق الإنسان داخلها هو: «الحرس الثوري» الإيراني. الحرس بمثابة إمبراطورية صناعية ذات نفوذ سياسي طاغ، نمت باطراد منذ إقامة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، وتشتهر بسيطرتها على القطاعات الرئيسية للاقتصاد. وفي الأساس يملك «الحرس الثوري» الأجزاء الأكثر ربحًا في الصناعات الإيرانية بما في ذلك مصدر المدخول الرئيسي للبلاد أي صناعة الغاز والنفط. للحرس الثوري سيطرة ونفوذ سياسيان على المجموعات الحاكمة، إنه مجموعة داخل إيران لا تعود لأحد، لأنها تعتبر نفسها المدافع الوحيد عن آيديولوجيا النظام والوحيدة المخولة بحماية الثورة الإسلامية. ينفذ الحرس استراتيجياته الداخلية والخارجية عبر وحدتي نخبة: الأعمال والأموال عبر «خاتم الأنبياء»، أما الذراع الإرهابية وزعزعة العالم العربي بالتحديد فعبر «فيلق القدس».
المسؤولية الرئيسية لوحدة «خاتم الأنبياء» تحقيق الواردات، وهي تمتلك وتدير تقريبًا كل الكيانات الكبيرة في إيران بما في ذلك المصارف والنقل والإعلام، وقطاع الاتصالات والصناعات، والتعدين، وخطوط السكك الحديدية والمطارات، والأهم من ذلك، ترأس وحدة «خاتم الأنبياء» شركة النفط الوطنية الإيرانية وكل الفروع التابعة لها، إضافة إلى خطوط الأنابيب والمصافي، ومرافق الإنتاج، ومعدات الحفر. ومع المليارات من الدولارات التي تحت تصرفها فهي تنشط في تهريب السلع المحظورة، وتحويل الأموال إلى المجموعات الإرهابية، وتشارك مباشرة في تحقيق الصفقات العسكرية.
عام 2011، عندما اشتدت مفاعيل العقوبات الدولية على إيران، واضطرت شركات النفط العالمية إلى مغادرة البلاد، تولت وحدة «خاتم الأنبياء» إدارة مشاريع تلك الشركات، ومنحتها الحكومة عقودًا غير مكتملة من دون أي مناقصة أو منافسة.
إذا لم تستأنف إدارة الرئيس دونالد ترمب تفعيل العقوبات على إيران، فهذا يعني أنه من أجل المشاركة في مشاريع البنية التحتية والبناء، وصناعة النفط والغاز، فإن المستثمرين الأجانب سيجدون أنفسهم يتعاملون مع شركات وهمية تابعة لـ«خاتم الأنبياء».
نصل إلى ذراع الإرهاب، أي «فيلق القدس» الذي «يدير» الإرهاب في العالم. ولا ينفي الحرس أن «فيلق القدس» يتولى الإشراف على «حزب الله» في لبنان، و«حركة حماس» في غزة، إضافة إلى مجموعات أخرى في أفريقيا وأميركا الجنوبية، وبسبب ثراء «خاتم الأنبياء» توصف إيران بأنها غيّرت وجه المنطقة، ويفتخر «حزب الله» بعلاقته معها كما قال الشيخ نعيم قاسم، لتبلغ «طفرة» الشكر ذروتها، فيتعرض لبنان للتهديد، لأنه «الورقة» التي لا تريد القيادة الإيرانية خسارتها.
العقوبات الدولية التي فرضت على إيران من أجل الحد من أنشطتها النووية كلفت البلاد مئات المليارات. مع العقوبات الإضافية التي فرضت على صناعة النفط الإيرانية عام 2012، حيث تدهور إنتاج وتصدير النفط، كان الاقتصاد الإيراني يتجه نحو الإفلاس، ووصل التضخم إلى 40 في المائة، وازدادت تكاليف المعيشة مع أكثر من 33 في المائة من العاطلين عن العمل، فلم يبق أمام إيران أي خيار سوى التفاوض، ولذلك وافقت على طلبات الدول الغربية بالحد من نشاطاتها النووية.
من هنا أهمية العودة للحديث عن تفعيل العقوبات الآن، لأن الاعتدال الذي توقعه العالم بعد فوز حسن روحاني بالانتخابات الرئاسية عام 2013 لم يظهر. ومنذ رفع العقوبات في يناير (كانون الثاني) 2016 لم تتوقف أنشطة إيران عن زعزعة الاستقرار في المنطقة، ومواصلتها، عبر «حزب الله»، نسف العلاقات العربية بالذات مع لبنان. كذلك لم توقف دعمها الدولي للإرهاب، وتجارب صواريخها العابرة للقارات، واستمر الانتهاك المنهجي لحقوق الإنسان. في المقابل، سمح رفع العقوبات بسحب أسماء جميع الشركات الوهمية التي يديرها «الحرس الثوري» من قائمة العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي، وكان الاتحاد الأوروبي أول من أقدم على ذلك.
إن الشركات الأوروبية والآسيوية التي تتطلع للمشاركة في المشاريع المربحة في إيران، لا بد أن تعرف بأنها سوف تتعامل وتفاوض الشركات المختلقة التي تملكها وحدة «خاتم الأنبياء»، وهذه ستطالب بالمشاركة في الأرباح وبمشاريع مشتركة ومزيد من الرشى في ظل النظام الإيراني القائم. وسيُفرض على هذه الشركات أن يكون في مجالس إدارتها شركاء إيرانيون ينتمون إلى «الحرس الثوري»، وهؤلاء يفتقرون في معظم الحالات إلى المعرفة بالتكنولوجيا الحديثة المعقدة والقدرة على تنفيذ معظم المشاريع. هم هناك «ليفتحوا الباب أمام زمن الانتصارات وإعادة الحيوية إلى القضية الفلسطينية، ودعم (حزب الله) في لبنان» كما قال الشيخ قاسم.
أما «الإصلاحي» الرئيس روحاني فإنه متأكد من أن أوضاع حقوق الإنسان تدهورت في إيران بشكل كبير. السجناء السياسيون الذين سبق أن سجنوا سنوات، يُعدمون إلى جانب إعدام فتيان وفتيات دون السن القانونية، ويكبر عدد المعتقلين من الأقليات، ويستمر الضغط على الصحف وسجن المدونين على شبكة الإنترنت.
يقول الشيخ نعيم قاسم: «إن شاء الله ننعم جميعًا بخيراتنا المسلوبة ومستقبل أجيالنا المشرق ببركة آثار الثورة العظيمة»، لأن هذا ينطبق على وحدتي «خاتم الأنبياء» و«فيلق القدس» اللتين تعتبران شريان الحياة لـ«حزب الله». أما الشعب الإيراني، الذي لا تعنيه القضية الفلسطينية فقد وصل إلى أقصى حدود التحمل، وبدأت شرائح المجتمع تطالب بتغيير النظام خصوصًا إذا أعيد تشديد العقوبات. من هنا، سيعلو كثيرًا الحديث عن الانتصارات للتعمية على الزيادات في عمليات الإعدام التي تجري يوميًا في إيران وبشكل علني..  

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف