هل نحتاج إلى مطار في مكة المكرمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
جمال بنون
عاد مقترح إنشاء مطار في مكة المكرمة إلى السطح، على رغم أن هذا الموضوع أشبع نقاشاً في السنوات الماضية، وفي كل مرة كانت هيئة الطيران المدني ترد بالنفي، وأن ليس لديها الرغبة في إقامة مطار بمكة.
في احتفال غرفة تجارة وصناعة مكة المكرمة بمرور 70 عاماً على تأسيسها، قال رئيس مجلس إدارة الغرفة جمال ماهر، في كلمته التي ألقاها في حضور وزير التجارة الدكتور ماجد القصبي ونخبة من كبار رجال الأعمال في السعودية والعاصمة المقدسة: «إن الغرفة اقترحت إنشاء مطار في مكة المكرمة لخدمة الحجاج والمعتمرين، وأطلقت عليه مبدئياً مطار الملك سلمان».
حينما يتحدث رئيس أعرق وأقدم غرفة تجارية في السعودية فهو لم يكن ليتحدث لأجل إطلاق أمنيات أو كسب ضوء إعلامي، فالمقترح هذه المرة من مجتمع رجال الأعمال وصناع المال، ومعروف أن القطاع الخاص حينما يتحدث عن فكرة مشروع فهو لا يطلقها جزافاً، بل تأتي نتيجة درس السوق وحاجاتها المستقبلية ومدى ارتباطها بالتنمية. وأثرها الإيجابي.
لماذا أثير مقترح مطار مكة من جديد، على رغم علمي بأن رئيس الغرفة على دراية بأن المقترح واجه ممانعة ونفياً من المسؤولين في الفترات الماضية، إلا إذا كانت لديه رؤية مختلفة؟
من وجهة نظري توقيت إعلان مطار مكة اليوم أفضل بكثير من المطالبات في الفترات الماضية، فعدد المعتمرين محدود طوال العام، وحتى عدد الحجاج القادمين، ونظام العمرة وشركات العمرة لم تكن بالمستوى المهني ذاته مع ضعف أدائها، ولم تكن وقتها توسعة الحرمين الشريفين تساعدها في استيعاب العدد الكبير، فالمردود المادي وقتها من إنشاء مطار مكة لن يكون مجدياً وفاعلاً. أما اليوم فالوضع مختلف، فمكة المكرمة ليست كما كانت قبل عقدين، بل قبل عقد، فالمنطقة المركزية ورشة مفتوحة طوال الساعة، من توسعة وتحسينات وبناء أنفاق وجسور، وإقامة فنادق جديدة ومشاريع خدمية كبيرة، وتوسعة الحرم المكي الذي يعترف الكل بأنه شهد إنجازاً عظيما في العهد السعودي وصرفت عليه القيادة السعودية بسخاء، توسعة المطاف والمسعى وتنظيم سقيا زمزم، والمشاعر المقدسة شهدت نقلة كبيرة؛ من توسعة طريق الجمرات في منى، وهناك مخطط لبناء أدوار علوية لتستوعب ضعف الأعداد الحالية، ومشاريع هائلة تنتظر المشاعر، فضلاً عن قطار المشاعر، كل هذا جاء من أجل أن تستوعب مكة المكرمة أكبر عدد ممكن من المعتمرين والحجاج.
أتفق مع هيئة الطيران المدني فيما مضى أنه غير ممكن إقامة مطار في مكة المكرمة، ولكن المعطيات الآن تغيرت، فقطاع العمرة والحج من أهم اللاعبين في الاقتصاد السعودي ضمن «رؤية السعودية 2030» وهو تنوع مصادر الدخل، وبخاصة مع فرض رسوم تأشيرات الحج والعمرة، ما يعني أن المعتمر أو الحاج القادم إلينا يريد خدمات ميسرة وسهلة، ولن يقبل بالتأخير في إنجاز معاملاته في المطار، ثم يقطع مسافة طويلة إلى مكة، فنحن بصدد رفع عدد المعتمرين إلى 30 مليون معتمر طوال العام حتى عام 2030، بمعدل ثلاثة ملايين معتمر شهرياً، تصور حجم الحافلات التي ستنقل هؤلاء المعتمرين إلى مكة المكرمة، مع زحمة الطريق السريع، وما يصاحبها من حوادث مرورية، على رغم أنها قليلة، إلا أن توفير وسائل السلامة للحجاج من الأولويات التي تضعها القيادة السعودية وتسخر لها كل الإمكانات، كما أن التوجيهات السامية بزيادة عدد الحجاج القادمين من الخارج، وهو ما يعني أن مكة المكرمة ستبقى طوال العام في خدمة ضيوف الرحمن.
اليوم، حينما يطفو على السطح مشروع مطار مكة المكرمة، فهو بالتأكيد لم يصدر من فراغ، وأعضاء غرفة تجارة مكة هم نخبة تجار البلد، ولهم إسهامات عدة ومتنوعة، ولا يمكن للقطاع الخاص اقتراح مشروع كبير مثل هذا من دون درس أبعاده الاقتصادية، وليس للاستهلاك الإعلامي.
المبررات الماضية التي سمعتها وقرأتها كانت تتركز في أن مكة لا يمكن أن تطير فوقها طائرة، وأن طبيعتها الجبلية لا تمكنها من إقامة مطار. أقول لهؤلاء»: ومن قال إن الطائرات ستحلق أو تمر من فوق الكعبة؟ وهل مشروع المطار بالله عليكم سيكون داخل الأحياء أو داخل المنطقة المركزية؟ بالتأكيد سيتم إيجاد موقع يتماشى مع المواصفات العالمية والمعايير المطلوبة.
بعد انتهاء الاحتفال بتكريم الرواد القدامى لمجلس إدارة غرفة مكة، سألت أمين العاصمة المقدسة المهندس أسامة البار؛ أين يمكن أن يكون موقع مطار مكة الجديد؟ فأجابني إن هناك موقعاً في محافظة بحرة، وهي منطقة منبسطة تبعد عن مكة 40 كيلومتراً في الشمال الغربي، وربما هناك موقع آخر بديل وهي جهة ما يسمى بحر مكة، وليس بالضروري أن يكون كبيراً، إذ يمكن أن يكون في مساحة مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز بالمدينة المنورة، أو مطار الطائف.
ربما يتساءل بعضنا: ما هو الأثر الاقتصادي لهذا المشروع؟ وما هو موقع مطار جدة ومدينة الحجاج الموجودة؟ بالدرجة الأولى سيخفض المدة الزمنية لانتقال الحجاج إلى مكة من دون حوادث وساعات انتظار، ويرفع مستوى الخدمة ويسهل مغادرتهم بعد إتمام الحج أو العمرة، إذ إن معظمهم الآن يغادرون مبكراً قبل ساعات طويلة من موعد الرحلة، وسيتيح فرصة الانتقال إلى المدينة المنورة بالطائرة مباشرة من مكة، فنحو 80 في المئة من الحجاج يذهبون إليها بالحافلات، وإذا رغب في أن يسافر إليها بالطائرة فعليه أن يذهب إلى جدة، فالعملية غير مجدية، وربما يساعد في ظهور شركات طيران محلية بمستوى عالمي.
كما سيفتح باب التوظيف لشبابنا، ولا يمكن أن نقلص دور مطار جدة أو إقصاءه وسيبقى بوابة الحرمين، على أن يسمح لشركات الطيران الأجنبية التعامل معها، ويكون مطار مكة مخصصاً للناقل المحلي فقط، من باب أبناء البلد أولى.
يرى بعضنا أن إقامة مطار في مكة ضرب من الخيال ومستحيل. أنا لست مهندساً جيولوجياً، ولكن أعتقد أن هذا المقترح يجب أن يناقش على أعلى المستويات؛ من مجلس الشورى ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، أو تصدر هذه الجهات رفضاً قاطعاً، مبينة الأسباب والظروف كي لا يتم مناقشته مطلقاً، وإن كان ممكناً فيجب تطوير المقترح ودرس أبعاده الاقتصادية والاجتماعية، وأنا على يقين بأن قطاع المال والأعمال سيسهم في شكل كبير ضمن مشروع الشراكة بين القطاع العام والخاص.. ولا تعلم ربما يكون مطار مكة هو الحدث الأهم في «رؤية 2030» وعلى مستوى العالم.