جريدة الجرائد

أجندة «الشرق الأوسط الجديد»!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

 ستيفين أر جراند 

ورث «إتش أر ماكماستر»، مستشار الأمن القومي الجديد الذي عينه دونالد ترامب، عالماً تنتقل فيه الصفائح التكتونية بشكل واضح. والسلطة التي طالما تركزت في واشنطن، أصبحت تشع شرقاً باتجاه موسكو وطهران ونيودلهي وبكين. وفي الوقت نفسه، فإن قواعد ومؤسسات النظام الدولي التي حافظت لمدة 70 عاماً على القليل من النظام، أصبحت بشكل واضح تحت الضغط، كما هو الحال مع الدول التي وضعت هذا النظام. وسواء أكانت تعترف بذلك حتى الآن أم لا، فمن المرجح أن تكون إدارة ترامب مضطرة لمواجهة التحدي المستمر المتمثل في كيفية استعادة الاستقرار.

ويتجلى هذا التفكك بشكل واضح في الشرق الأوسط. فقد فشلت أربع دول (سوريا والعراق وليبيا واليمن) وسقطت في حرب أهلية؛ أما غيرها فتواجه خطراً من نفس النوع. في سوريا، نجد أن روسيا وليس الولايات المتحدة، هي التي تتخذ القرارات، بعد أن أقحمت جيشها في الصراع عام 2015 لإنقاذ رجل سوريا القوي بشار الأسد من الهزيمة. وكما هو الحال في النزاعات المدنية الأخرى في المنطقة، أدى انهيار النظام إلى فوضى تامة: حيث قتل أكثر من نصف مليون سوري، بالإضافة إلى نزوح 11 مليوناً آخرين. وقد استفادت منظمتا «داعش» و«القاعدة» من هذه الفوضى لتأمين الأراضي وتجنيد الأفراد.

غير أن هذا التفكك واضح أيضاً في أوروبا وهي تتعامل مع أزمة مشابهة من الشرعية السياسية، حيث تناضل دول ضعيفة مثل اليونان وبلغاريا لتوفير وظائف العمل والخدمات لمواطنيها في مواجهة ضغوط مالية شديدة. وتتعامل أوروبا أيضاً مع النتائج المترتبة على الحروب الأهلية في الشرق الأوسط في شكل تدفقات هائلة من اللاجئين، علاوة على الهجمات الإرهابية. والخوف الذي ولدته هذه العواقب عزز الأحزاب السياسية اليمينية، وساهم في انتصار بريكست في بريطانيا، وهدد بتقويض الاتحاد الأوروبي ككل.

وقد أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تفضيله لعالم متعدد الأعراق يبدأ الظهور من هذه القوى الظلامية الجاذبة للاضطرابات. ويبدو أنه يريد العودة إلى سياسة توازن القوى التي شهدها القرن الـ19، حيث تتوسط قلة من الدول الكبرى فيما بينها في قضايا الحرب والسلام وتحافظ على النظام داخل مجالات نفوذها، غالباً من خلال المواءمة مع الرؤساء المحليين.

وقد أشار بعض المسؤولين في الإدارة الجديدة إلى أنهم لن يكونوا مهتمين بإيقاف تفكك السياسة العالمية في هذا الاتجاه. لكنهم سيجدون أنفسهم مجبرين في النهاية، من أجل القوة والازدهار الأميركي، على محاولة التجديد من أجل حقبة جديدة من النظام الدولي القائم على القواعد القائمة منذ الحرب العالمية الثانية. وفي الوقت نفسه، فإن الولايات المتحدة، الحريصة على منع الحروب الدموية في أوروبا ومنع ويلات الشيوعية من الانتشار، قد ساعدت على تصميم شبكة من المؤسسات الدولية والإقليمية لدعم حلفائها الأوروبيين وشجعت التعاون بدلاً من الصراع المسلح بين الدول.

وتواجه الولايات المتحدة صراعا مشابهاً في الشرق الأوسط. فمن المرجح أن تكون المنطقة هي المرجل الناري الذي إما أن تعاد فيه صياغة النظام العالمي من أجل حقبة جديدة، أو أن ينهار تماماً. وربما تقدم سوريا الاختبار الأول. فالروس سيحبون أن تقبل الولايات المتحدة استمرار حكم الأسد لهذا البلد المحطم، مقابل شراكة لمحاربة تنظيمي «داعش» و«القاعدة». لكن ليست هذه هي الطريقة التي يتم بها تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط. فقد أبعد الأسد الكثير من السوريين من خلال سوء حكمه وأساليبه المتوحشة. وفي غياب سوريا القابلة للحياة والتي تقدم لمواطنيها بعض الأمل في المستقبل، فإن أي مكاسب في ساحة المعركة ضد «داعش» و«القاعدة» قد تكون سريعة الزوال.

وبدلاً من ذلك، ينبغي أن تسعى الولايات المتحدة إلى التفاوض بشأن حل للصراع السوري، حل يحمي مصالح كل الأطراف ويوفر فرصة كبيرة للحكم المحلي. ويحتاج الروس للاقتناع بأن الحرب لا يمكن الفوز بها وأن الأسد غير قادر على تحقيق الاستقرار في بلاده. وإذا فشلت الكلمات وحدها في التأثير عليهم، فإن سياسة توفير قدر أكبر من الحماية الإنسانية للمدنيين المحاصرين في الصراع -جنباً إلى جنب مع تعزيز جهود الولايات المتحدة ضد «داعش» بالتعاون مع الشركاء المحليين– ينبغي أن توفر قدراً أكبر من النفوذ لدفعهم برفق نحو تسوية يتم التفاوض بشأنها.

وبالنسبة للمنطقة عموماً، فإن الأجندة يجب ألا تكون أقل طموحاً. والإجراءات المطلوبة لوضع الشرق الأوسط على مسار أكثر إيجابية تشبه تلك التي اتخذتها أوروبا قبل سبعين عاماً: وقف القتال، والتفاوض بشأن تسويات سياسية عادلة وشاملة، ودعم الدول الضعيفة لجعلها تقاوم التخريب، وتشجيع القادة السياسيين على الحكم بطرق تعزز شرعيتهم وتطلق العنان لمواهب شعوبهم، وتنمية المؤسسات الإقليمية لتخفيف حدة النزاع وتعزيز آفاق التعاون.

ولتحقيق ذلك، يجب أن تتشارك الولايات المتحدة مع دول داخل وخارج المنطقة تتقاسم معها المصالح في شرق أوسط أكثر استقراراً. وقد حان الوقت لأخذ زمام المبادرة، وتقديم الرؤية والاضطلاع بنصيب الأسد من العمل، لكن الولايات المتحدة وأوروبا، وربما روسيا والصين، يجب أن تمد يد المساعدة، على سبيل المصلحة الذاتية.

*المدير التنفيذي لفريق عمل استراتيجية الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي

عن دورية «فورين بوليسي»

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف