الحل القريب والسلام البعيد!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عرفان نظام الدين
يتشاءم كثيرون في شأن مسار المساعي الرامية إلى إحلال السلام في سورية والتباطؤ الشديد والمشبوه في جهود الأمم المتحدة، وعلى رغم الغموض غير البنّاء في مواقف الدول والتأخر في حسم الأمور بعد الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف، فإن كل الدلائل تشير إلى أن الأمور وصلت إلى مرحلة القرار والبحث عن مخارج لإيجاد حلول قريبة تكرس الأمر الواقع وتوقف الحرب، ولكنها بعيدة من السلام الكامل.
ويعلم الجميع أن أي حل لن يبصر النور من دون حصول اتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا يضمن المصالح ويحد من أخطار استمرار هذه الحرب التي ستدخل عامها السابع خلال أيام، ومعها، في شكل أو في آخر، الحروب الدائرة في العراق وليبيا واليمن.
من هنا الترقُّب والحذر بانتظار ما ستؤول إليه القمة المنتظرة بين الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب والقيصر الروسي فلاديمير بوتين لمعرفة ما سيتم الاتفاق عليه من صفقات وتبادل مصالح، والتمهيد لقيام نظام عالمي جديد يحل محل نظام بائد أثبت فشله بعدما نجح في إسدال ستار من الأوهام على مختلف حروب العالم وأزماته، وفي مقدمها الشرق الأوسط، ما أضعف الأمم المتحدة وأوصلها إلى درجة الجمود التام.
هذا الاتفاق المنشود قد يهمّش أدوار بعض القوى العالمية والإقليمية، أو يحد من جموحها وتدخلاتها، لكنه لن يتمكن من إلغاء دورها في السلام والحرب. كما سيكون من الصعب إنكار وجودها في ساحات الميادين ومراكز القرار، ما يمنحها القدرة على زرع ألغام أمام طرق الحل لعرقلة مسيرته، وفي بعض الأحيان تخريبه وافتعال أحداث وإشعال نيران قد تؤدي إلى قلب المائدة على القوتين العظميين.
لهذا، من المنتظر العمل بأسلوب التدرُّج في المسيرة بدءاً من وضع آلية لوقف إطلاق النار برعاية أميركية- روسية ثم السماح بانضمام القوى الدولية المؤثرة إليها، مثل الصين ودول أوروبية، لتصل أخيراً إلى الدول العربية الرئيسية والدول الإقليمية، مثل إيران وتركيا وإسرائيل.
إلا أن هذا السيناريو أمامه عوائق عدة ومشكلات جمة ناجمة عن وجود منظمات إرهابية ومتطرفة في الميادين، يقابله ما أعلن من سياسة ترامب المتعلقة بهذه القوى، وطموحات بوتين الواضحة ومطالبته بمقايضة في أوروبا، وتحديداً في أوكرانيا والقرم.
فبالنسبة إلى إسرائيل، اتخذ ترامب الموقف المعرقل للسلام وقدم الدعم اللامحدود لجنوح اليمين الصهيوني المتطرف، ووعد بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة لتثبيت شرعية الضم. أما بالنسبة إلى موقفه المستهجن من رفض حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، فقد تراجع عنه قليلاً بقوله إن التوصل إلى هذا الحل هو في أيدي الطرفين، بعدما تبلغ بأن مثل هذه المواقف ستؤدي إلى ارتفاع حدة التوتر في المنطقة وازدياد موجات التطرّف والعنف، وأن الحل الوحيد الآمن يجب أن يقوم على إيجاد سلام شامل وعادل في الشرق الأوسط لتحقيق الاستقرار وتأمين المصالح، علماً أن أي تأخير أو تصعيد سيفتح الباب أمام انفجار واسع ويمنح المتطرفين الذرائع لتبرير أفعالهم.
بالنسبة إلى إيران، تبدو العقبات أكبر لأن طريقها معبدة بحقول الألغام بسبب تصميم ترامب على التصدي لها وإعادة النظر في الاتفاق على الملف النووي، ما ستكون له انعكاسات على المنطقة، خصوصاً في سورية ولبنان واليمن والعراق، بحيث ستكون المواجهة في ساحاتها أكثر حدة.
في المقابل، تتمثل العقبات في مطامع إيران الامبراطورية، وسعيها إلى مد نفوذها على امتداد العالمين العربي والإسلامي، وفقاً لشعار «تصدير الثورة» وما سبّبه من مواجهات وما سيشعله من فتن طائفية ومذهبية بين المسلمين السنة والشيعة.
بالنسبة إلى تركيا، ما زال موقفها متأرجحاً بين واشنطن وموسكو. وبين طهران والدول الخليجية، فقد انتقدت إيران أخيراً لسعيها إلى مد نفوذها نحو الدول العربية وتهديد أمنها، على رغم الاتفاق معها على حلول، بينها اتفاق آستانة في شأن الحرب السورية، والتعاون الاقتصادي والسياسي ومنع قيام دولة كردية مستقلة في شمال سورية.
هذا التأرجح سيؤدي إلى زيادة حدة التنافس بين الدولتين ومحاولة حصد أكبر مقدار من المكاسب قبل أن تحين ساعة القرار. كما أن سيطرة تركيا على أجزاء واسعة من شمال سورية ستمنحها دوراً أكبر في الحل ورسم خرائط جديدة وتحديد مناطق النفوذ، لكنها لن تساعد على إحلال السلام واحترام سيادة سورية ووحدة أراضيها. فالمخاوف تزداد من مؤامرة التقسيم ومن تقاسم الحصص والغنائم بعدما أمنت روسيا نصيبها وحققت مطامعها في الوصول إلى المياه الدافئة بإقامة قاعدة جوية في اللاذقية وأخرى بحرية في طرطوس، إضافة إلى عقود النفط والغاز على الساحل السوري، كما حصلت الولايات المتحدة على حصص مماثلة في الهيمنة على الثروات النفطية في شمال العراق وسورية، فضلاً عن الهيمنة السياسية.
في المقابل، تكرست سيطرة الأكراد على مناطق في الحسكة والقامشلي لتشكل عائقاً أمام الحل المنشود، ما يتطلب دراسة مطالبهم بروية وحكمة بعيداً من التشنج والتعصب، لأن فتح الباب أمام الفيديراليات والكيانات المستقلة سيؤدي إلى انهيار الدولة واستمرار الحرب إلى ما لا نهاية، وتعميم كوارث التقسيم وتساقط الدول الواحدة تلو الأخرى وكأنها أحجار لعبة الدومينو.
إلا أن أخطر معرقل للسلام، ومعه الحلول المعدة، هو وجود التنظيمات المتطرفة والإرهابية وخلاياها النائمة وسيطرتها على مناطق واسعة، على رغم مضي سنوات على بدء ما سمي»الحرب على الإرهاب». فالقضاء عليها يحتاج إلى التصميم والإرادة والتخلي عن التباطؤ والغموض المشبوه، كما يحتاج إلى وقت طويل وقيام تحالف دولي حقيقي لإنهاء المعضلة واجتثاث أسباب هذه الآفة وجذورها.
في ظل هذه الأجواء الملبدة بالغيوم السوداء، تتسارع الجهود للتوصل إلى تسويات لا تشفي ولا توصل إلى أي نتيجة إن لم يتم الوصول إلى الأعماق وفرض حلول ناجعة لإقامة سلام دائم وثابت لا يهتز عند أول هبة ريح. فكل الأحاديث والتسريبات تحكي عن حلقة مفرغة تركز على تثبيت وقف إطلاق النار في سورية أولاً، ثم في اليمن وليبيا، وحسم معركة الموصل في العراق، على أن يترك الباقي في المجهول، على أمل ترك القضايا الأساسية والحيوية للمستقبل.
وهذا ما عانينا منه منذ ٦٩ سنة بالنسبة إلى القضية الفلسطينية حيث كانت المشاريع والمبادرات الأجنبية والاتفاقات، وآخرها اتفاقية أوسلو، تركز على قضايا هامشية وثانوية وتترك القضايا الأساسية والحيوية إلى مفاوضات الحل النهائي التي لا يعلم إلا الله عزّ وجل متى ستعقد ومن سيفرض الحل ويجبر إسرائيل على التخلي عن تعنتها ووقف مؤامرة التهويد والضم.
لهذا، أتفق مع مقولة أن الحلول الجزئية جاهزة للطرح بعد أن تطبخ على نار هادئة، ليس لإنهاء الحرب بل لإدارة مسيرتها المقبلة وتجميد الأوضاع القائمة كما هي على الأرض في الميادين وكواليس السياسة، في انتظار معرفة درجة حرارة لقاء ترامب - بوتين.
لكن هذا لا يمنع من الجزم بأنه إذا كانت الحلول جاهزة، فإن من الحكمة الجزم أيضاً بأن السلام بعيد المنال، دونه ألغام وعوائق وطموحات ومطامع وصراعات ومخططات خبيثة تسعى إلى استمرار الحروب وجني ثمارها على حساب الشعوب المغلوب على أمرها.
الإنسان العربي هو الذي يدفع الثمن وسيدفعه مضاعفاً إن لم يتم التوصل إلى سلام شامل ونهائي يمهد الطريق أمام الإعمار وإعادة بناء البشر والحجر ويحقق الأمن والاستقرار، فيما تتعالى في السماء نداءات الأبرياء: كفى استهتاراً بحياتنا ودمائنا وأطفالنا... وكفى حروبكم العبثية. فهل من صاحب ضمير يلبي النداء؟