شروط الديموقراطية الحقيقية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
حسن حنفي
ليست الديموقراطية نظاماً سياسياً صورياً يمكن أن يُنقل من منطقة ويزرع في منطقة أخرى. بل هي تطور طبيعي للمجتمعات بنيةً وثقافة، ونتيجة لصراع طويل ضد الديكتاتورية. ولذا فإن للديموقراطية، بطبيعة الحال، عدة شروط منها المواطنة ومساواة جميع المواطنين في الحقوق والواجبات أمام القانون. والمواطنة هوية المواطن وانتماؤه وولاؤه المطلق لوطنه وليس الانتماء أو الولاء للعرق أو الطائفة أو المذهب أو العشيرة. وقد قامت الثورات الغربية الحديثة باسم المواطنة، قبل أي شيء آخر.
وتقوم المواطنة على وعي الفرد. فكل مواطن فرد. وكل فرد مواطن. ولذلك قامت الديموقراطية البرلمانية على مبدأ أنه «لكل فرد صوت». فلا تشترى الأصوات فردياً ولا جماعياً، أصوات الأسر أو العائلات أو البلديات أو القرى أو العشائر. والوعي الفردي يتطلب درجة من التعليم والاستقلال والوعي الذاتي والثقافة الفردية التي قد لا توفرها مجتمعات «سي السيد».
وباجتماع المواطن والفرد تنشأ حقوق الإنسان الطبيعية كما دونتها المواثيق الدولية والإعلانات العالمية بما في ذلك «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الإسلامية» التي لا تختلف في جوهرها، أو على الأقل في بعض جوانبها، عن «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» إلا بإضافة بعض الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة تدعيماً لها. وهي حقوق مادية، إشباع الحاجات الأساسية من طعام وشراب ولباس ومسكن وتعليم وصحة وحركة، وحقوق معنوية فيما يتعلق بحرية التعبير عن الرأي والمشاركة في اختيار من يحكمه ويثق فيه. وهي الحقوق التي جسدتها مقاصد الشريعة الضرورية الخمسة: الحفاظ على الحياة والعقل والدين أي القيم والأخلاق، والعرض أي الكرامة والشرف، وأخيراً المال أي الثروات الوطنية.
ومن حقوق المواطن الفرد الحر حرية الفكر والتعبير، وشرعية الاختلاف في الرأي. فالتفكير حق طبيعي للإنسان. والتعبير عن الرأي يكون في بعض الأحيان واجباً وطنياً. وكذلك حق النقد كفكرة. فالنقد أهم ما يميز الفكر لأنه قد يفك إسار الحاضر، ويدفعه نحو التقدم.
وتتطلب حرية الرأي الفردي احترام آراء الآخرين دون تكفير أو تخوين أو إبعاد واستقصاء. فالآخر فرد مواطن أيضاً. له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات. وفي بعض المجتمعات النامية يسود احتكار الرأي من المؤسسات الدينية والسياسية والتعليمية والإعلامية. ولذلك يندر الرأي الآخر.
وأخيراً، الشعب هو مصدر السلطات وليس «الحاكمية» أو الأقلية أو الأغلبية أو الطبقة أو القوة أو المصلحة. تنشأ السلطة استقراءً وليس استنباطاً، من مجموع إرادات الأفراد الجزئية ممثلة في الإرادة العامة، وليست بالضرورة مفروضة من الإرادة العامة على إرادات الأفراد.
وأزمة الوطن العربي وما حوله خاصة في أفريقيا أن الديموقراطية كحل سحري لتطوير المجتمعات لا تتوافر شروطها الاجتماعية والثقافية.
وفي المجتمعات النامية هناك بدائل عن الديموقراطية البرلمانية الغربية مثل الديموقراطية التعاقدية أو التوافقية أو الديموقراطية الائتلافية التي تتفق فيها جميع الطوائف والمذاهب والأعراق على الحد الأدنى من البرنامج الوطني يلتف حوله الجميع، حكومة أو معارضة. ويحدث هذا أحياناً في مجتمعات غير غربية مثل اليابان والصين وكوريا الجنوبية. ويحدث أيضاً في بعض البلاد الإسلامية مثل ماليزيا. وهي تجربة الحزب الواحد الذي تتعدد فيه الأجنحة وتتصارع فيه التيارات. وهي خطوة ضرورية نحو الديموقراطية البرلمانية بعدما يبرز مفهوم المواطن الحر وانتهاء ثقافة إبعاد الرأي الآخر وإقصاء المخالف في الرأي.
وإذن فليست الديموقراطية شكلاً بل هي مضمون في المقام الأول. ومضمونها ضد الاستبداد بالرأي واتخاذ القرار المنفرد، والدفاع عن حق الاختلاف وشرعيته. والتحديد سلباً أقوى من التحديد إيجاباً. ويتكيف الشكل طبقاً لطبيعة المجتمعات ومراحل تطورها وبنية ثقافتها. والديموقراطية الشكلية المفروضة هي شكل من أشكال الديكتاتورية السياسية وهيمنة النموذج الأوحد على كل المجتمعات. وهي وسيلة غير ديموقراطية لفرض الديموقراطية! هي ديموقراطية معكوسة تقضي على نفسها بنفسها. ولا يقلل من سحر النموذج الأوحد إلا القيام بعمليات ديموقراطية ضد الاستبداد بالرأي والتفرد بالقرار.