جريدة الجرائد

السيد فاضل

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

 سمير عطا الله 

عدت إلى الحي هذه المرة فوجدت دكان السيد فاضل مقفلاً. خامرني شعور بأن إقفال الباب بهذه الطريقة يوحي بأنه غير مؤقت. أنت تعرف، أن الأبواب لها لغتها أيضاً. أو إشاراتها. مثل الشجر عندما يقتله اليباس. إنه لا يبلغك الأمر بصريح العبارة، بل يتركه لك أن تحزر مآل الأشياء ونتائج الوقوف الطويل في الشمس والرياح. والحقيقة أن السيد فاضل كان مثل شجرة. نادراً ما يتكلم. ثابت في مكانه لا يغادر. يأتيه الناس ولا يذهب إلى أحد، فهو السيد فاضل، كان صانع العجائب في الحي. ولذلك، لم يغامر مرة أحد بمناداته باسمه، من دون لقب الاحترام.


والحقيقة أنه لم يكن مجرد احترام عادي. كان فيه من الإعجاب أكثر مما فيه من التوقير. فالجميع محترمون في الحي. صاحب الصيدلية، وصاحب المكتبة، وصاحب دكان الحلاقة، لكن السيد فاضل كان محترماً ومبهراً. كأن تقول، وسامحني على الاستعارة، يحيي الآلات وهي رميم. جهاز تلفزيون توقف، يعيد السيد فاضل إليه الألوان والصوت. ثريا كهربائية احترق سلكها، يعيد إليها السيد فاضل جميع أنوارها، مثل توماس أديسون. هاتف أعلن الإضراب عن العمل، يهمس السيد فاضل شيئاً ما في أذنه، فيعود إلى الثرثرة والرنين. خصوصاً وقت القيلولة، أو قبلها. وقت الغداء. لا يمكن أن تمر أمام دكان السيد فاضل وتراه غير منهمك في إصلاح شيء ما. كرسي. طباخة غاز. إطار فضي قديم. ولاّعة فخمة للزينة. ساعة حائط، أو، خصوصاً، ساعة يد. عندما تمر آخر النهار لتأخذ ساعتك، تسمع تكَّتها من بعيد. ومن بعيد تكاد تميّز العقرب الأصغر من الأكبر. أما لماذا سميناه العقرب، فلا أدري. وقد تفاجئنا سويسرا يوماً على هذا التشهير.
لم أعرف أحداً له خفة السيد فاضل مع الساعات، إلا ذلك الفتى الباكستاني في إحدى أسواق أبوظبي. قبل أن أكمل الجملة، بأنني أريد أن أصلح ساعتي، كان قد خطفها من يدي وفككها واستعرض دواخلها وضبط حركتها وأطبقها من جديد وأعادها إليّ: 50 درهماً.
ربما، بينه وبين الساعة، كان السيد فاضل لا يستغرق من الوقت أكثر من فتى روالبندي. لكن من أجل احترام المهنة، كان يطلب أن تعود آخر النهار. إنه موعد التسليم لكل الأشياء. ولاعات، ساعات، أقلام حبر قديمة. يده ساحرة السيد فاضل. لكن هذه المرة كان بابه مغلقاً مثل الستار الحديدي.. . .  

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف