جريدة الجرائد

السعودية من الصين إلى أميركا

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

 راجح الخوري   

إنها المملكة العربية السعودية عندما تحاوِر وتفاوِض، وتمتد لها الحفاوة والتكريم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب. يوم الثلاثاء الماضي، بينما كان إمبراطور اليابان أكيهيتو يقيم مأدبة خاصة في القصر الإمبراطوري ويقلّد خادم الحرمين الشريفين الوسام السامي (زهرة الأقحوان)، كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب يكسر البروتوكول ويقيم حفل غداء في الجناح العائلي من البيت الأبيض، تكريماً لولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وليس من المعتاد أن يقيم البيت الأبيض حفلات الغداء إلا للملوك والرؤساء قادة بلادهم.


من اليابان التي زارها الملك سلمان في إطار جولته الآسيوية المهمة، التي نسجت مع سبع دول مهمة وفاعلة علاقات تعاون استراتيجية مهمة على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، وعلى نحو خاص في إطار «رؤية 2030» التي تستقطب اهتماماً دولياً متزايداً، لأنها تؤسس للسعودية الجديدة التي ستعمّق دورها وتوسّعه، خصوصاً أنها تجلس في مقاعد «جي 20»، إلى الولايات المتحدة، التي زارها ولي ولي العهد للمرة الثانية، حيث شكّلت محادثاته مع الرئيس الأميركي نقلة نوعية تعيد الدفء إلى العلاقات التاريخية بين البلدين الحليفين، بعد حقبة باراك أوباما، التي انعكست سلباً على هذه العلاقات.
وكالة «بلومبيرغ» وصفت المحادثات بين ترمب وولي ولي العهد بأنها تشكّل تحولاً تاريخياً في العلاقات بين البلدين الحليفين، حيث كان لافتاً حرص الرئيس الأميركي على إحاطة مأدبة الغداء بمؤشرات ذات دلالة ومغزى سياسي، عندما دعا كبار المسؤولين إلى دخول القاعة بعد بدء الاجتماع، ليستمعوا إلى ما سمعه من الأمير محمد، ثم عندما حضر الغداء نائبه مايك بنس، ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، ومساعد ترمب ستيف بانون، وصهره كبير مستشاريه جاريد كوشنر، ومستشارة الشؤون الاقتصادية دينا باول.
لم يكن في بروتوكول اللقاء أن يدخل الصحافيون لالتقاط الصور، لكن عندما طلب ترمب حضورهم أراد الإيحاء بمدى اهتمامه بالمناسبة التي تطرقت إلى مختلف القضايا والشؤون، ومن منطلق اهتمام سياسي واستراتيجي، يشرحه سايمون هندرسون من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى بالقول لوكالة «بلومبيرغ»، إن الإدارة الأميركية الجديدة تنظر إلى المملكة العربية السعودية جزءاً جوهرياً ومحورياً من منطقة الشرق الأوسط والخليج، ودولة مهمة لها دورها الحاسم على المستويين الإقليمي والدولي.
المحادثات المستفيضة والشاملة بين ترمب والأمير محمد كانت ناجحة جداً، وأعادت العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة إلى مسارها التاريخي الصحيح، والدليل العملي على ذلك جاء في البيان الذي أصدره البيت الأبيض عن المحادثات، والذي أعلن «الاتفاق على دعم إقامة شراكة استراتيجية قوية وواسعة بين البلدين على أساس المصالح المشتركة، مع التزام البلدين بدعم الاستقرار والازدهار في منطقة الشرق الأوسط».
البيت الأبيض حرص على التوضيح أنه تم الاتفاق بين ترمب والأمير محمد على «اتخاذ خطوات إضافية لزيادة التعاون الاستراتيجي بشكل أوسع في المجالات الاقتصادية والعسكرية والثقافية والاجتماعية بين البلدين»، وأن ترمب «حريص على دعم البرنامج المشترك بين رجال أعمال من البلدين، الذي سيركز على الاستثمار في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والبنى التحتية بمبالغ تتجاوز 200 مليار دولار في أربع سنوات»، وليس خافياً أن «رؤية 2030» تشكل المحور الأساسي في هذا التعاون.
في الشأن السياسي ترَكَّز النقاش على مدى الخطورة التي يمثلها الاتفاق النووي مع إيران على دول المنطقة، خصوصاً أن النظام الراديكالي الذي يحكم إيران لن يتوقف عن سعيه للحصول على سلاح نووي، وأن الدول الإقليمية التي تتعرض للتدخلات الإيرانية وللعبث بأوضاعها الأمنية على ما يحصل في اليمن والعراق وسوريا والبحرين لن تقبل أبداً بإيران نووية، وفي هذا السياق كان الأمير محمد ولي ولي العهد قد قال في حديث إلى مجلة «فورين أفيرز» في 6 يناير (كانون الثاني) الماضي، إنه لا توجد أي نقطة في التفاوض مع السلطة التي تُصدّر آيديولوجيتها الإقصائية وتنتهك سيادة الدول الأخرى، مؤكداً أن إيران تمثل العلل الثلاث الرئيسية، أي الآيديولوجيات بلا حدود، وحال عدم الاستقرار، والإرهاب.
شبكة «سي بي إس نيوز» الأميركية نشرت تقريراً عشية الزيارة جاء فيه أن إدارة ترمب تحرص على بحث الأوضاع الأمنية وجهود مكافحة الإرهاب، خصوصاً في ظل النجاحات المشهودة التي تحققها السعودية في مواجهة الإرهابيين، ثم إن الإدارة الأميركية الجديدة لديها رغبة واضحة في توسيع مهامها العسكرية ضد تنظيم القاعدة في اليمن، خصوصاً لأن الولايات المتحدة تلعب دوراً حيوياً وحاسماً في تقديم الدعم العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.
وتوحي الشبكة المذكورة بأن ترمب يتطلع من خلال المحادثات إلى ضرورة التفاهم على توسيع العمليات العسكرية الأميركية ضد تنظيم القاعدة في اليمن، وهو ما يتطلب توسيع مجالات التعاون الاستخباري مع السعودية، التي كانت قد نجحت في استئصال «القاعدة» من أراضيها، خصوصاً أنها الطرف الأكثر إلماماً بالأوضاع هناك، وكان ولي ولي العهد قد أبلغ مجلة «فورين أفيرز» بأن السعودية حليف قوي وأساسي في حملة مكافحة الإرهاب العالمية، وأنه تم تخصيص موارد مالية وعسكرية كبيرة لدعم هذه الحملة.
الشأن الاقتصادي كان له حيزه الأساس في المحادثات سواء لجهة الاستثمارات السعودية الضخمة في الولايات المتحدة، أو خصوصاً لجهة «رؤية 2030»، التي يقف ولي ولي العهد وراءها، والتي تمثل شرفة ومنطلقاً للعبور إلى مستقبل اقتصادي حداثي يقوم على التطوير والتكنولوجيا وينقل الاقتصاد السعودي من الاعتماد الكلي على النفط إلى تطوير الإنتاج وتنويع مصادر الدخل، على أسس من مواكبة الدورة الاقتصادية وتحفيز الإنتاج، في ضوء المعطيات التكنولوجية والتقنيات الحديثة.
وكان الأمير محمد قد زار الولايات المتحدة وشرح، أمام الأوساط السياسية والاقتصادية وفي الشركات العملاقة في وادي السليكون، أبعادَ رؤيته الطموحة التي تشكل الآن موضع اهتمام دولي متزايد، خصوصاً عندما تستعد لطرح أكبر اكتتاب في التاريخ، وترمب الذي كان رجل أعمال ناجحاً قبل أن يصير رئيساً للولايات المتحدة أبدى إعجابه العميق بالرؤية السعودية، معولاً على أن يكون للشركات الأميركية ذات العلاقة حيز في إنجاحها من طريق التعاون والشراكة.
تبرز هذه المواقف والمؤشرات المهمة عبر محادثات الأمير محمد في واشنطن، في وقت ينتقل والده خادم الحرمين الشريفين من اليابان إلى الصين، حيث تم التوقيع على اتفاقيات للتعاون الاقتصادي والعسكري قيمتها 65 مليار دولار، جاء هذا بعدما كان وزير الاقتصاد والتجارة الياباني هيروشيجي سيكو قد أعلن أن بلاده ستعمل من خلال «الرؤية السعودية - اليابانية 2030»، على توفير مختلف الخبرات للمساهمة في تحقيق الأهداف الاقتصادية والتنموية والاستراتيجية لها.
وعندما تتحدث الوكالات عن وثيقة رسمية يابانية كشفت أن البلدين اتفقا على «شراكة استراتيجية قوية» في مجالات اقتصادية وتنموية، يأتي من واشنطن إعلان موازٍ عن شراكة استراتيجية قوية بين السعودية والولايات المتحدة في السياسة والأمن والاقتصاد.. . . .  

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف