دولة فلسطين أو لا شرعية لإسرائيل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عرفان نظام الدين
لا يمكن تبرير الانزعاج العربي والفلسطيني من تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصديقه الحميم بنيامين نتانياهو، رئيس حكومة المتطرفين الصهاينة، والتي تضمنت إعلاناً واضحاً ومستهجناً برفض قيام دولة فلسطينية مستقلة في ظل حل الدولتين، فالتفريط العربي بالحقوق المشروعة أدى إلى الوصول إلى هذا الحد من الوقاحة والظلم.
وعلى رغم تراجع ترامب جزئياً عن موقفه برمي الكرة إلى ملعب الطرفين، فإن الآثار الخطيرة التي ستنجم عن الرفض ستعني حتماً نسف كل قرارات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإنسانية التابعة لها ونقض الاتفاقات الثنائية العربية- الإسرائيلية الموقعة بإشراف الولايات المتحدة وضمانها، لا سيما اتفاقات أوسلو بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الوطنية الفلسطينية.
والرد الطبيعي على هذا التراجع لن يجدي نفعاً بالبيانات والاستنكار والشجب، بل بإعادة النظر بالمواقف العربية وحل الخلافات ودعم الجانب الفلسطيني واتخاذ مواقف حاسمة إزاء الولايات المتحدة وإسرائيل ورسم خريطة تحرك شامل وجدّي، مع توجيه إنذار نهائي لإسرائيل للتخلي عن تعنتها وانتهاكاتها لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وأولها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
قد يستغرب بعضهم هذه الدعوة بسبب عدم الثقة بأصحاب القرار العربي والدولي واللوعات وخيبات الأمل من مواقفهم وانحدار سياساتهم إلى درجة الغيبوبة، إن لم نقل الاستسلام للواقع المخزي.
يضاف إلى ذلك أن الوضع الفلسطيني في حال يُرثى لها بعدما وصل إلى قاع الانهيار سياسياً ومالياً وامنياً. فالسلطة تعرضت لانتكاسات متتالية ولضربات من الخارج ومن بيت أبيها في صميم «فتح»، كبرى المنظمات الوطنية والأكثر فعالية وحضوراً على الساحتين النضالية والسياسية. أما «حماس»، فحدث عنها ولا حرج في التخبط وكسب العداوات وتكريس الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فهي تعاني من الضياع وإضاعة البوصلة بين التأرجح في التعاطي مع الإغراءات الإيرانية أو النأي بالنفس عنها في مواجهة الالتزام الكامل لحركة «الجهاد الإسلامي» بالانحياز الكامل لإيران والالتزام بتوجهاتها وطموحاتها التي تشمل المنطقة بكاملها.
في المقابل، تزداد الشروخ اتساعاً في العالم العربي وتسود حالات العنف والإرهاب والحروب العبثية ومؤامرات التقسيم وإثارة الفتنة الطائفية والمذهبية والدينية والعرقية. كما أن ما يحلو لنا أن نسميه «الحرب الكونية» تحقق بفضل مشاركة الأدوات العربية بها في شق الصف وضرب أسس التضامن المطلوب لتحل محله الاختلافات والانقسامات ودعوات أين منها العداوات مع العدو الصهيوني، بل هي أشد مضاضة وأكثر عنفاً ورفضاً للآخر، ما يستدعي التنبه للأخطار القادمة وحل الخلافات وفتح صفحة جديدة في العلاقات العربية- العربية والسعي إلى حوار بناء، وسط تساؤل واستغراب للقبول بالحوار مع إسرائيل في السر والعلن ورفضه مع الأخ العربي.
هذه البانوراما المأسوية تعبر عن واقع مرير يجري فيه استنزاف الطاقات والثروات وسفك الدماء وتدمير البشر والحجر وإعادة الأمة عشرات السنين إلى الوراء، والترويج للتقسيم لتكون لإسرائيل اليد العليا في المنطقة ومنحها الفرصة لتنفيذ مؤامرتها القديمة المتجددة التي تحمل شعار «دولتك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل». وهذا ما نشهد مؤشرات عنه في الحديث عن سيناء وفي التغلغل الصهيوني الخفي بوجوه عدة على ضفاف الفرات.
والأخطر من كل ذلك أن قضية فلسطين أصبحت منسية لا يتحدث عنها أحد إلا لماماً، ولا يهتم بمأساة الشعب الفلسطيني ومعاناة اللاجئين في الداخل وفي الشتات حيث يعيش أكثرهم في مخيمات البؤس والعار منذ ٦٩ سنة حياة لا تليق بالإنسان، وفي ظروف قاسية تدفع إلى الاستغراب والإعجاب بهذا الشعب المناضل والأصيل لصموده الأسطوري والصبر والعض على جراحه ليواصل النضال ويرفض الاستسلام ويؤكد حقه في العودة إلى وطنه الحبيب مهما كانت الصعاب والتضحيات، حاملاً مفاتيح بيوت أصحاب الحق والشرعية والأرض.
من هنا تأتي أهمية الدعوة إلى النهوض ودق نواقيس الخطر والقيام بمبادرات سريعة لتدارك الأخطار القادمة ووضع حد للنزيف العربي وإنهاء حالات التخاذل والاستسلام والتعنت والعناد. وأي تأخير في هذا الشأن سيؤدي إلى حافة الانهيار والامتثال بظاهرة الانتحار الجماعي للحيتان.
فالفرصة متاحة اليوم لاتخاذ مثل هذه المواقف بتحلي القيادات العربية بالحكمة والتعقل وتغليب مصلحة الأمة على أي مصلحة خاصة وضيقة. وعلى كل إنسان عربي أن يساهم في تهيئة الأجواء رحمة بالشعوب المنكوبة وملايين الأطفال المعذبين ودعماً للاجئين الفلسطينيين والعرب، ومنع الانهيار الشامل للبنى التحتية في معظم الدول العربية ومواجهة الانهيار الاقتصادي والأمني جراء الأوضاع المتردية والحروب العبثية المشتعلة في أكثر من محور، ما أتاح الفرصة للشماتة أولاً ثم المسارعة لقضم مزيد من الأراضي وإقامة المستعمرات وتهويد القدس الشريف وتهديد المسجد الأقصى المبارك.
فالعرب اليوم يعانون ويتألمون جراء وقوعهم بين فكي كماشة إسرائيل والمؤامرات الدولية والمطامع الإقليمية، وبين الوجه القبيح الآخر المتمثل في التنظيمات الإرهابية المتطرفة وعملياتها التي أكملت ما بدأه الصهاينة في إشاعة أجواء الفتنة وشيطنة العرب وتشويه صورة الإسلام.
والفرصة المطلوبة اليوم هي في يد القمة العربية التي سيستضيفها الأردن خلال أيام قليلة، لعلها تصل إلى موقف متقدم يعيد الآمال إلى العرب بعد سنوات عجاف كرست أجواء اليأس والإحباط وخيبات الأمل.
ومع أن كل من يسمع بأخبار القمقم العربية يجزم سلفاً بأنها ستنتهي إلى لا شيء وربما إلى نتائج سلبية، فإن علينا أن نتمسك «ولو بهذه القشة» للنجاة من الغرق، ونأمل خيراً لعل الحكمة تسود ويجري اتخاذ قرارات حاسمة تتناول القضايا الساخنة التالية:
- إتمام المصالحات العربية وإعادة بناء الثقة والقيام بمبادرة لوقف الحروب بدلاً من ترك الزمام للأمم المتحدة العاجزة والمتعمدة المماطلة والدول الكبرى التي تسعى إلى تأمين مصالحها وجني أكبر مقدار من المكاسب والغنائم.
- رعاية مصالحة فلسطينية - فلسطينية تبدأ من الداخل وتمتد إلى قيادات الضفة الغربية وقطاع غزة، لعل القيادات تنتفض لتلبية نداء الشعب الفلسطيني في المصالحة وتوحيد الصف وعودة غزة إلى حضن نواة الوطن الفلسطيني، ومواجهة الأخطار التي تهدد بتصفية القضية نهائياً.
- التخفيف عن الشعوب المنكوبة بتقديم مساعدات عاجلة ورعاية اللاجئين وتسهيل عودتهم إلى أوطانهم.
- أما القرار المهم والأهم، إذا تعذر التوصل إلى المصالحات، فهو التركيز على مواجهة رفض حل الدولتين وتوجيه إنذار جدي لكل من يتبنون هذا الموقف يمهلهم لفترة قصيرة للتراجع ثم التأكيد أن العرب والفلسطينيين سيكونون بعدها في حلٍ من اتفاقات أوسلو وغيرها، وسحب أي تفسير لقبولهم بشرعية إسرائيل والقرارات الدولية التي اعترفت بسيادة إسرائيل على فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨.
فما أقدم عليه ترامب، وما يعتزم القيام به بالنسبة إلى القدس، لم يسبقه إليه أحد من الرؤساء السابقين، من دوايت أيزنهاور إلى باراك أوباما. فصحيح أنهم كانوا منحازين إلى إسرائيل وداعمين لأعمالها العدوانية، إلا أنهم لم يتخطوا الخطوط الحمر بالنسبة إلى القرارات الدولية والقدس الشريف وحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة في إطار حل الدولتين.
باختصار شديد، وبكلمة حاسمة موحدة، إن على القمة العربية والشعوب العربية إعلان موقف واضح وصريح: إما حل الدولتين... أو لا شرعية لإسرائيل على كل شبر من أراضي فلسطين العربية الطاهرة.