كما قال نهرو
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
منذ قرأت الدكتور زياد الدريس أول مرة، تعرفت إلى كاتب لا ينقطع الإعجاب به. وكلما اعتقدتَ أنك سوف تختلف معه في المقال التالي، يأتي التالي مثل الحالي، والحالي مثل السابق. حدثَ الخلاف مع مقاله الأخير في «الحياة»، الذي يقول فيه،
بأسلوبه الطلِّي وحججه المقنعة، إن العلوم الفكرية هي التي تبني نهوض الدول، وليس العلوم الرياضية. ولا ضرورة لأن أكرر مرة أخرى جهلي المطبق والمطلق بالرياضيات، من جدول الضرب إلى كرة المضرب. لكنني مقتنع أن الأمم تُبنى بالعِلم، بالمعنى الذي لا أفهمه. بعلم الفيزياء الذي يجعل الطائرة تحملنا، مع 400 راكب آخر، من باريس إلى نيويورك في سبع ساعات. ومع العلماء الذين يخرجون على الإنسانية كل يوم باختراع طبي جديد. ومع العالِم الذي وضع آلة في خدمة الفلاح بدل أن يقوم هو وأولاده بحراثة الأرض حتى الموت. ومع علماء الصين الذين يُجرون آلاف العمليات الجراحية كل يوم من دون تخدير إلاّ بالإبر، لأن المخدر سم مهما كان ضرورياً.
كل حركة نأتيها كل يوم وراءها عالِم، لا شاعر ولا رسام ولا محام، رغم عظمتهم جميعاً. السيارة والثلاجة والهاتف، والثياب المصنوعة على الآلات، والأحذية والجوارب، والنظارات والسماعات، كلها من صناعة أهل العِلم.
لماذا لا نقول إن جميع أجناس العلوم قد تقدمت بالإنسان. كان لا بد من الفكر أولاً. ولذا، سميت تجلياته «الآفاق» لأنها نقلت البشر من حيث كانوا إلى حيث أصبحوا. والفكر طبعاً أوصلنا إلى الرياضيات. لكن أيهما أهم، القرن الثامن عشر في أوروبا، الذي سمي عصر الضوء، أم القرن التاسع عشر والثورة الصناعية، الثورة الوحيدة التي تستحق هذا الوصف، إذ غيرت حياة البشرية، حيث تقبَّلتها وتبنَّتها، وعملت على تطويرها؟
تطلعت إلى جواهر لال نهرو على أنه كان أحد أعظم رجالات الاستقلال في التاريخ. وعندما قرأت مؤلفاته وخطبه، اعتقدت أنه كان محامياً مثل معلمه غاندي. وعندما أصبحت الهند تنتقل في السنوات الأخيرة من التخلف والفقر والجهل والجوع، إلى دولة متقدمة في الاقتصاد والتكنولوجيا، كنت أتساءل من هو أب هذه النهضة العجيبة.
يا صديقي وزميلي العزيز والمحترم، أب هذه النهضة هو نفسه أب الدولة المستقلة.
ذهب نهرو إلى كمبريدج لدراسة العلوم الطبيعية، ولم يحب شيئاً سوى العلوم. قال لزملائه السياسيين: «علينا أن نتبع العلوم بمنهجية تامة لكي لا نترك شيئاً للصدفة. التنمية والتخطيط مسألة خاضعة كلياً للعلوم الحسابية، وليس لأي آيديولوجيا سياسية»..