مقاربة شاملة في مواجهة الإرهاب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله خليفة الشايجي
حذرت في مقالي الأسبوع الماضي الذي نشر هنا في «الاتحاد» بعنوان «سقف التوقعات من إدارة ترامب» من التسرع في رفع سقف التوقعات من إدارة الرئيس دونالد ترامب، وخاصة حول قضايا الشرق الأوسط والأمن الخليجي، وذلك لضبابية المواقف وعدم تبلور استراتيجية واضحة تجاه جميع الملفات المهمة التي تؤثر في أمننا واستقرارنا، وأيضاً لأن إدارة ترامب أكملت للتو فقط شهرين في البيت الأبيض. وواضح أن أولوياتها واهتماماتها تنصبّ في الأساس على الشؤون الداخلية، من خلال التصدي للدولة العميقة و«الديمقراطيين» وإبطال إنجازات أوباما وخاصة قانون الرعاية الصحية والتأمين الصحي المسمى «أوباماكير». وقد تعثر تغييره بالسرعة التي كان يتوقعها ترامب والقيادات من حزبه وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب، حيث اعترفوا بفشلهم في التصويت على تغييره وتقديم مشروع قرار بديل!
والراهن أن اهتمام إدارة ترامب بالشأن الداخلي يستنزف جهودها وجهود ترامب الشخصية، ويحوّل اهتمامه وأولوياته عن الشؤون الخارجية، وخاصة أولويته في الحرب على الإرهاب، حيث جعل من هزيمة تنظيم «داعش» وإزالته «من على وجه الأرض» أولويته في الشرق الأوسط.
ولكن تطورات الأسبوع الماضي أعادت التذكير بأن استراتيجية إدارة ترامب كما يصفها مركز دراسات «ستراتفور» الأمني والاستخباري، غير ناضجة، لتركيزها على الانتصار في المعركة، وليس في الحرب ككل على تنظيم «داعش»! إذ ماذا بعد الانتصارات المكلفة في معارك الموصل والرقة؟
الحال أن تطورات الأسبوع الماضي شكلت منعطفاً مهماً يؤكد، بكل تفاصيله، أن المعركة ضد الإرهاب و«داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية هي حرب شائكة ومعقدة وليست مجرد معركة عابرة. وكما تعهد أوباما في السابق، على مدى سنوات طويلة، بتطبيق استراتيجيته «إضعاف وإنهاك، ولاحقاً هزيمة تنظيم داعش» الذي ظهر إلى الوجود في عهده، بعدما ورث تنظيم «القاعدة» من سلفه بوش الابن، لينتشر ويتمدد شرره وخطره في أكثر من قارة. وعلى رغم اغتيال إدارة أوباما في عام 2011 لأسامة بن لادن، إلا أن تنظيم «القاعدة» وأفرعه ومناصريه لا يزال موجوداً ويقوم بعمليات إرهابية في أفغانستان وباكستان واليمن والصومال ونيجيريا وغيرها. وذلك على رغم حرب أميركا المستمرة بلا هوادة على الإرهاب منذ نشوب حرب أفغانستان التي أطلقها الرئيس بوش الابن بعد شهر من اعتداءات 11 سبتمبر 2001، وقد دخلت الآن عامها السادس عشر، ما يجعلها أطول حروب أميركا على الإطلاق، وهي أطول من الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام مجتمعتين.
كما أن الأسباب التي تم تقديمها لتبرير قرار إدارة ترامب الأسبوع الماضي بحظر اصطحاب أجهزة إلكترونية أكبر من جهاز الهاتف النقال في مقصورة الطائرات القادمة من ثماني دول عربية وتركيا في رحلاتها المباشرة إلى مختلف المدن الأميركية، التي تصل لمئات الرحلات أسبوعياً، هو بسبب الخشية من تهريب قنابل بتلك الأجهزة الإلكترونية من عناصر فرع «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» الذي يتخذ من اليمن مقراً لنشاطه وعملياته، وتصنفه الاستخبارات الأميركية على أنه أكثر أفرع القاعدة خطراً، وخاصة في تصنيع المتفجرات! ولكن يبقى السؤال: لماذا استهداف شركات الطيران الخليجية الناجحة التي تطبق في المطارات الخليجية إجراءات أمنية مشددة، وخاصة في الرحلات المتوجهة إلى الولايات المتحدة؟ فهل الهدف أمني؟ أم اقتصادي وسياسي؟ هنا يختلط الكثير باسم الأمن!
يبدو أن استراتيجية ترامب في هزيمة تنظيم «داعش» المأزوم في معركتي الموصل والرقة وغيرهما، وخاصة عمليات الذئاب المنفردة التي ضربت في الأسبوعين الماضيين في مطار أورلي في باريس وفي قلب لندن، وحتى في الشيشان ضد قاعدة للقوات الروسية، لا تختلف كثيراً عن استراتيجية أوباما في الانتصارات العسكرية المكلفة، دون الانتصار الحاسم في الحرب على الإرهاب.
وذلك لعدة أسباب أبرزها محاولة شيطنة صورة الإسلام، وتعميم النمط الإرهابي على دين كامل وتكرار إدارة أوباما مصطلح «الإرهاب الإسلامي المتطرف!» وهو مصطلح يحمل الكثير من الاتهام للدين الإسلامي وليس للإرهابيين فقط، وكأن الإرهابيين يعتنقون الإسلام، أو أن تعاليم الإسلام ومناهجه جعلت منهم إرهابيين! أو كأنه لا يوجد إرهاب مسيحي متطرف، مثلاً الكندي- الفرنسي الذي قتل 6 مصلين في مسجد في كندا! وكذلك قتل المسلمين على يد عصابات مسيحية متطرفة في أفريقيا الوسطى. وكذلك الإرهاب البوذي من طرف الرهبان البوذيين وتنكيلهم وقتلهم وتهجيرهم للأقلية المسلمة في ميانمار أمام مرأى العالم!
والمفارقة أن منفذ العملية الإرهابية في لندن «الداعشي» خالد مسعود، اقترف فعلته في مدينة يشغل منصب عمدتها صادق خان، أول عمدة مسلم لعاصمة المملكة المتحدة وأكبر عواصم ومدن أوروبا! فمن يمثل الإسلام هنا؟ صادق خان أم خالد مسعود؟ وكيف يمكن التعميم بما يسمى «الإرهاب الإسلامي» المتطرف؟ ولماذا لا يحظى صادق خان المسلم المعتدل بالتغطية الإعلامية الإيجابية، كما يحظى خالد مسعود وأمثاله بالتغطية السلبية التي تصل إلى محاولة شيطنة صورة الإسلام، في تعميم عنصري يؤجج صراع الحضارات والعداء بينها، ولا يستوعب الآخر ويكرّس الصورة النمطية السيئة والسلبية للإسلام، على رغم رفض وتنديد صادق خان والأغلبية الساحقة من المسلمين، مسؤولين وقادة وشعوباً، بالعمليات الإرهابية وقتل الأبرياء!
ويبقى التحدي الحقيقي في تطوير المقاربات وتغيير السياسات، ومواجهة الأفكار ومنع تجنيد الذئاب المنفردة، ووقف محاولة شيطنة صورة الإسلام وترويج عبارات متحاملة مثل عبارة «الإرهاب الإسلامي المتطرف»! وكيفية مواجهة محاولات الجماعات الإرهابية نشر التطرف باستخدام الإعلام الرقمي وصولًا لبعض معتنقي الإسلام ودفعهم للتطرف وتنفيذ عمليات إرهابية في قلب العواصم الأوروبية كخالد مسعود -البريطاني المولد والنشأة- وقبله وبعده كثيرين، وكم من خالد مسعود غيره هناك؟ ممن تصفهم بيانات «داعش» بعد كل عملية تتبناها بـ«جنود الخلافة»!
واضح إذن أن الجميع بحاجة للتنسيق والتعاون وتغيير الاستراتيجية لضمان تحقيق الانتصار ليس في معركة واحدة أو معركتين فقط، وإنما الانتصار في الحرب الشاملة بكل أبعادها وجذورها لهزيمة التطرف والإرهاب بشكل حاسم في النهاية