«القمة العربية» فرصة للتفاؤل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
محمد خلفان الصوافي
هناك مراهنات بين الرأي العام العربي على وجود رغبة سياسية عربية ملحة لدى عدد من القادة العرب، وهم اليوم الفاعلون الرئيسيون في النظام العربي، في أن تعمل القمة العربية العادية الـ27 التي تنعقد حالياً في المملكة الأردنية في ظروف سياسية عربية غير عادية، زماناً ومكاناً، على محاولة عبور «مرحلة الخطر» في الوضع السياسي الذي تمر به المنطقة، بعدما أدرك جميع العرب أن الكل، من دول الإقليم والعالم، يبحث عن مصالحه الاستراتيجية، وأن المنطقة العربية التي تعاني فراغاً سياسياً كبيراً هي المكان المناسب لتحقيق تلك المصالح.
ومؤشر هذه الرغبة يتمثل في حضور أغلب القادة العرب للقمة، وكذلك في الحركة الدبلوماسية النشطة للعاهل الأردني عبدالله الثاني، الذي يمتلك رؤيته الخاصة في التعامل مع بعض التحديات العربية التي تواجه بلاده أغلبها، سواء تيارات الإسلام السياسي أو قضية السلام في الشرق الأوسط، وكذلك عبء القضية السورية واللاجئين، بالإضافة إلى التهديدات الإيرانية من خلال ما يسمى «الهلال الشيعي» الذي تعمل إيران على تحقيقه، خاصة بعد اقترابها من حدود الأردن من خلال سوريا والعراق.
لن تكون هذه القمة كما بدا من حالة الاستعداد السياسي مثلما اعتدنا من باقي القمم العربية السابقة، والتي كانت سمتها الرئيسية أنه لا أحد يهتم بها من الرأي العام العربي. ولن تكون هذه القمة أيضاً، بلا أمل من انعقادها، على الأقل من ناحية طريقة التفكير التي ينبغي أن تكون مبنية على الإيجابية والرغبة في إيجاد مخارج للأزمات والمشاكل التي تواجهها الدول العربية بدلاً من «تبييت» النية والحكم عليها مسبقاً، بأنه لن يكون هناك شيء مثمر سياسياً أو لن تكون هناك قرارات حقيقية يمكن الخروج بها من هذه القمة.
وحتى لو تصورنا أن مثل هذه النيات موجودة، فإن رهان الرأي العام العربي في المقابل يتركز على قادة عرب لديهم النية (وهم الأغلب) في أن تكون قرارات القمة مختلفة، لا سيما أن الظروف الدولية تفرض ذلك، فوجود قيادة أميركية مختلفة في رؤيتها لقضايا المنطقة، وضغط الظروف الإقليمية على العرب، كلها تتطلب وجود موقف سياسي عربي واضح.
التفاؤل بانعقاد القمم العربية هو القيمة المعنوية التي افتقدها الإنسان العربي خلال القمم الماضية، وربما كان السبب يتعلق بنوعية التحليلات والكتابات المرافقة لتلك القمم، وربما كان الأمر مرتبطاً بأن السياسيين العرب يأتون وفي قرارة أنفسهم أن القمة لا يمكن أن تخرج بشيء منها أصلاً، لذا كنا نجد أن غيابات القادة أكثر أو أن التمثيل لا يرقى لحجم التحدي الذي تواجهه الدول العربية.
وإذا افترضنا أن هناك بنوداً ثابتة في كل القمم العربية، وهي متكررة في الاجتماعات الثنائية أو الثلاثية أو الرباعية، فإني أعتقد أن طريقة معالجتها هذه المرة باتت مختلفة لأسباب لها علاقة بطريقة تفكير القادة العرب الذين باتوا يبحثون عن حلول واقعية بعدما أدرك الكثيرون أن هناك مفاهيم سياسية دولية متعارفاً عليها كانت السبب في نجاح التجمعات السياسية الأخرى، مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لكن عندما يأتي الأمر على العلاقات العربية العربية يكون لهذه المفاهيم وضع خاص مثل اتخاذ القرارات بصيغة الإجماع أو مواقف سياسية يغلب عليها «التوافق» بدل الاتفاق، وتغليب لغة المجاملة الدبلوماسية على قرارات مصيرية، والابتعاد عن لغة المصالح الاستراتيجية، وهي اللغة التي تحترمها العلاقات الدولية.
على أرض الواقع العربي، اليوم، هناك شرعية عربية تحققت من مكاسب سياسية، ففي عدد من الدول العربية هناك من استطاع القضاء على أكبر تحدٍّ مر عليها، وهو تيار «الإخوان المسلمين»، سواء في مصر، أو في دولة الإمارات والمملكة المغربية والمملكة الأردنية، وهناك مكسب إقليمي تمثل في تحجيم التمدد الإيراني بقيادة المملكة العربية السعودية بالقضاء على الأذرع السياسية لهذا التمدد. واليوم نتكلم عن دور عربي بقيادة خليجية. وعلى المستوى الدولي فإن التجربة العربية والخليجية بشكل خاص في التعامل مع الإرهاب والتطرف والحفاظ على التنمية باتت محل إعجاب الآخرين، وبالتالي فإن هذا يعد محفزاً رئيسياً للتفاؤل، ولو جزئياً.
قراءة الاستعدادات الأولية للقمة العربية التي ستحيي «البحر الميت»، حيث تنعقد على ضفافه، تعطي انطباعاً بأن هناك «أرضية» للتفاؤل والخروج بمواقف تنعش الدور السياسي العربي الغائب!