جريدة الجرائد

أبواب جنيف المغلقة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

رياض نعسان أغا

أتوقع أن تنتهي الجولة الخامسة من مفاوضات جنيف السورية دون أن تحقق شيئاً في المضمون، وسيزداد شعور السوريين بالضيق مما قد يرونه عبثاً، وعلينا أن نعذر أولئك المنتظرين في مخيمات اللجوء في خيام تذروها الرياح والعواصف ويحرقها الهجير، لبارقة أمل لم تظهر بعد، ويبدو أنها لن تظهر من جنيف، وأن نصبر على من باتوا يكرهون رؤيتنا في قاعات المؤتمرات وأروقة الأمم المتحدة، ومن سيذكروننا بقول شاعرنا ابن حوران المبدع، أبي تمام «السيف أصدق إنباءً من الكتب»! 

ومن حقهم أن يفقدوا إيمانهم بجدية التطلع إلى حل سياسي وهم يرون النظام وحلفاءه يزعمون الموافقة على وقف إطلاق النار بينما طائراتهم تدمر القرى والمدن وتهجر السكان وتقتل البشر، وعلى ملأ من العالم فشلت اتفاقية وقف الأعمال العدائية التي وقعها لافروف وكيري في فبراير 2016 ولم تبد أي من الدولتين حرصاً على توقيع وزيري خارجيتهما. 

وكذلك لم يلتزم النظام وحلفاؤه باتفاقية وقف إطلاق النار التي أبرمت في ديسمبر في أستانة، بل إن النظام وحلفاءه صعدوا القصف في حمص والغوطة وفي عدد من المحافظات، وهجروا أهل الوعر، واليوم يتابعون تهجير أهل مضايا والزبداني ويخططون لتهجير أهل الغوطة، ويهدد «حزب الله» السوريين بالباصات الخضر التي تنقل السكان قسراً من بيوتهم إلى المخيمات لإحلال مستوطنين غرباء مكانهم.

وأما مشاركة النظام في مفاوضات جنيف فهي شكلية هدفها إبراز إشاعة كون النظام يبحث عن حل سياسي مع أنه يتابع الحسم العسكري، وقد أصر على أن يناقش مع الأمم المتحدة ملف الإرهاب وحده لأنه يتهم المعارضة السياسية كلها بالإرهاب، متجاهلاً أنه ارتكب أفظع الجرائم الإرهابية في تاريخ البشرية! فلم يسبق أن قصفت دولة شعبها بالكيماوي وبكل الأسلحة المحرمة، أو أبادت مدناً هي محافظاتها، ولم تتسبب دولة في التاريخ في هجرة أكثر من 60 في المئة من أبناء شعبها تشردوا في أنحاء الأرض، ويبدو النظام مستعداً لتمزيق سوريا وتقسيمها إلى دويلات متصارعة مقابل أن يحتفظ بكرسي رئاسة لم يعد لها أي حضور أو سيادة.

لقد فقد الداعمون للنظام احترامهم الشكلي له فقد بات «حزب الله» والإيرانيون يفاوضون على إخراج أهل الفوعة وكفريا من بيوتهم ونقلهم إلى الزبداني اللتين سيقوم «حزب الله» وإيران بتهجير سكانهما قسراً وعنوة على مرأى العالم كله، ليجعلوا من ريف دمشق الغربي مستعمرة شيعية هدفها حماية طريق لبنان والإحاطة بعاصمة الأمويين التاريخية برايات طائفية.

ويصمت النظام على فجيعة أخرى تحدث في شمال سوريا، حيث تذكرنا الأحداث المتلاحقة التي يسارع فيها حزب «البي يي دي» لاقتطاع محافظات سورية بذكرى مرور مئة عام على وعد بلفور، ولا أدري من هو بلفور القرن الحادي والعشرين الذي يمكن أن يكون قد وعد بعض الغلاة من الأكراد بإقامة دولة لهم في الشمال السوري، فهؤلاء يهددون اليوم بضم محافظة الرقة إليهم! 

وهم يقولون إنهم يريدون فيدرالية ضمن سوريا، ولكن هناك من يغريهم بالانفصال رويداً رويداً لإذكاء صراع عربي كردي لم يسبق أن حدث في تاريخ العلاقة المديدة بين الكرد والعرب. ولئن كنا نحرص على إنصاف الكرد وتمكينهم من حقوقهم السياسية والثقافية واللغوية والإدارية ولدينا في رؤية الهيئة العليا للمفاوضات بيان صريح بدعم ما سميناه القضية الكردية ضمن بوتقة القضية السورية عامة، لكننا أشد حرصاً على وحدة سوريا أرضاً وشعباً متعدد الأعراق والأطياف. 

ولا نقبل بحال أن يتقاسم السوريون بلادهم وأن يمزقوها إلى دويلات صغيرة متصارعة، والعجب أن يدعم النظام توجه هذا الحزب الكردي المتطرف في سلوكه وفي مطالبه، مما يجعلنا نشك بوجود خطة تقسيم سرية قد تظهر شيئاً فشيئاً، وتفسر حرص النظام على تهجير الآلاف من أهل السنة من حمص ومن دمشق وريفها إلى إدلب ونقل شيعة إدلب إلى مضايا والزبداني، والعالم صامت يتفرج.

ورغم ضعف تفاؤلي بمفاوضات جنيف أجدني حريصاً على استمرارها لمجرد أنها تجعل القضية السورية حارة وساخنة وعلى مسرح دولي كبير، وقد يكون التوقف عن مفاوضات سياسية مبرراً لجعل القضية منسية دولياً أو هامشية.

ولكنني أدرك أن أبواب جنيف مغلقة أمام الحل السياسي، ولن تفتح إلا حين يظهر اتفاق دولي يتخذه مجلس الأمن بقرار صارم دون ظهور لـ«الفيتو»، ولا ندري متى يحدث، ولكننا ندعو الله أن يكون قراراً لصالح شعبنا وألا يكون هناك وعد مثل وعد بلفور لأحد، فإن لم يكن فستبقى شلالات الدم تفيض ولن يوقفها غير حل عادل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الشوفيني والعنصري
raman -

رغم كل ما حل بسوريا وشعبها من مأسي ومحن على مدى السنوات الستة الماضية، وفشل المعارضة السورية بمختلف إتجاهاتها القومية والإسلامية في الإطاحة بالنظام الأسدي، وتقديم البديل السياسي الموضوعي، بحيث يجمع عليه جميع السوريين بكافة قومياتهم وإختلاف أديانهم ومذاهبهم، ويأخذ بعين الإعتبار الواقع السوري الجديد، الذي لا يمكن القذف فوقه بأي حال من الأحوال.للأسف المعارضة السورية لم تتعلم الدرس، وإستمرت في المضي بنفس منهجها العقيم السابق، أي عدم الإعتراف بالكرد كشعب له حقوق قومية مشروعة، وشريك أساسي في الوطن، وتتعامل معه حتى الأن كحزب سياسي، وتسعى إلى اقصاء الكرد من المعادلة السياسية السورية بتوجيه من أنقرة، وتماشيآ مع فكرها الشوفيني والعنصري البغيض، الذي لا يختلف بشيئ عن فكر ومماراسات النظام الأسدي العنصرية، وتحاول فرض رؤية الإخوان المسلمين على الثورة، والسعي لبناء دولة دينية متزمتة، على غرار دولة حسن الترابي الفاشلة في السودان.

الفكر الإقصائي،
raman -

بدلآ من سياسة الإنفتاح على الشعب الكردي، وكسبه الى جانب الثورة، تعاملت هذه المعارضة العربية اللقيطة مع الكرد كعدو، إرضاءً لممولها التركي والقطري والسعودي وتماشيآ مع فكرها الإقصائي، وشنت حرب إعلامية وسياسية وعسكرية قذرة ضدهم، إضافة إلى فرض حصار خانق على المناطق الكردية. هذا عدا وصف الكرد بأقذر العبارات، وإتهامهم بالإرهاب، ورفض هذه المعارضة مشاركة الكرد في المفاوضات التي تجرى بينها وبين النظام في جنيف.وعندما طرح الكرد مشروعآ سياسيآ لحل الأزمة السورية، ومن ضمنها حل القضية الكردية حلآ عادلآ، يستند في أساسه إلى صيغة الفدرالية المعمول بها في الكثير من دول العالم الناجحة، ومن ضمنها دولة الإمارات العربية المتحدة المتطورة، جن جنون هؤلاء المعارضين، وأخذوا على الفور يتهمون الكرد بالإنفصال، وتوعدوهم بالويل وسواد الليل، في حال إقدامهم على هكذا خطوة. كل هذا دون أن يقرؤوا مضمون مشروع الفدرالية، المقدم من طرف الإدارة الذاتية في غرب كردستان. ولكنها في المقابل هي مستعدة للجلوس مع النظام الأسدي، والعمل معه ضمن إطار حكومة إنتقالية، وتحت إدارة الأسد الشخصية، ولكنها غير مستعدة للجلوس مع الإدارة الذاتية، وقوات سوريا (ق س د) وحزب الإتحاد الديمقراطي.الجميع أخذ يدرك، ولكن ما عدا المعارضة الإسطنبولية والرياضية، بأن سوريا لن تعود دولة مركزية، كما كانت قبل الثورة، وأنها ماضية لا محال إلى الحل الفدرالي والواقائع على الأرض تؤكد صحة ذلك. وهذا ما باتت تدركه أيضآ كل من روسيا وأمريكا، ومن هنا جاء حديث الروس العلني، عن سوريا الفدرالية.والفدرالية لم تكن يومآ عامل تفتيت للدول الديمقراطية، بل على العكس فهي تمنح دولها قوة دفع وإستقرار، وتجلب الرخاء الإقتصادي. فانظروا إلى كل مثلآ الى كل من امريكا وكندا، وسويسرا والمانيا، التي بنيت على اساس فدرالي. وإذا كانت المعارضة السورية العربية ترفض الصيغة الفدرالية، وتعتبره عامل تفتيت للدول، فما هو مشروعها لحل الأزمة السورية الدامية، والقضية الكردية الملتهبة إذآ؟إن أي كلام عن مشروع ما يسمى بدولة المواطنة، الذي يروج له تلك المعارضة البعثية الجديدة، لن تجد قبولآ لدى الكرد ولا حتى عند بقية أطياف الشعب السوري، كالعلويين، والمسيحيين، لأن الجميع يدرك بأن هذا المشروع في جوهره إسلامي- قومجي متطرف، يرفض الأخر المختلف عنه، قوميآ ودينيآ وثقافيآ. ومن يرفض الإعتراف بالأخر، لا