جريدة الجرائد

هل توقظ مجزرة خان شيخون الضمير العالمي؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عبد العزيز التويجري

عدم وضوح السياسة الخارجية للإدارة الأميركية الجديدة وتناقضها، يثيران الكثـــير مــن القلق على مصالح العالــــم العربي وقضاياه المعقدة، بل على الأمن والسلم الدوليين بصورة إجمالية.

فبعد أن فاجأنا الرئيس ترامب بالموقف المثير للاستغراب الذي اتخذه إزاء بشار الأسد، والذي ثنت عليه نيكي هايلي السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، يعود اليوم ليدين الجريمة البشعة التي ارتكبها بشار الأسد في بلدة خان شيخون بأدلب شمال غربي سورية، والتي هزت الضمير العالمي، إلا ضمير طاغية دمشق وزبانيته، وضمائر مناصريه وعلى رأسهم فلاديمير بوتين، الذي بادر إلى تحريف تلك الجريمة العظمى ليبرئه منها من دون حياء.

لقد وصف الرئيس ترامب مجزرة خان شيخون بقوله: "إن هذا العمل المروع من جانب نظام بشار الأسد هو نتيجة الضعف وانعدام التصميم لدى إدارة باراك أوباما". وقال بعد لقائه العاهل الأردني، إن بشار تجاوز كل الخطوط الحمر، وأنه غيَّر موقفه منه. ولكن ومع هذا التحول في الموقف لدى الرئيس ترامب، كيف يكون إسقاط الأسد مسألة لا تدخل ضمن الأولويات الأميركية، كما أعلنت عن ذلك الإدارة الأميركية، بينما يواصل هذا السفاح ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية التي منها هذه الجريمة البشعة التي ذهب ضحيتها أكثر من مئة قتيل وأربعمئة مصاب؟

أليس هذا هو التخبط بعينه في اتخاذ المواقف؟ أليس هذا هو التناقض الواضح المكشوف في السياسة الخارجية؟ فإذا كان عهد الرئيس السابق أوباما قد اصطبغ بالضعف وانعدام التصميم وهذا صحيح تماماً أفليس عهد الرئيس الحالي ترامب بدأ بما هو أخطر من الضعف وانعدام التصميم، وهو التناقض في المواقف الذي يشجع هؤلاء السفاحين على مواصلة ارتكاب جرائمهم، والسكوت عنها والقبول بهم باعتبارهم أمراً واقعاً؟

إن هذا التناقض المعيب على مسرح السياسة الدولية، هو أمر بالغ الخطورة، خصوصاً إذا كان اللاعبون الكبار الذين يفترض فيهم قيادة العالم نحو السلم والأمن، يفتقدون الحكمة والنزاهة، ويتصرفون بميكافيلية ممقوتة لإعادة بناء القوة التي افتقدوها وتجديد الهيمنة التي كادت أن تفلت منهم، فيسوقون العالم نحو المزيد من الأزمات التي إذا ما استفحلت وزادت انفجاراً، ستهدد السلم والأمن الدوليين.

وما دام الوضع يتسم بهذه الميوعة والتناقض، فمن المتوقع أن تستخدم روسيا الفيتو في مجلس الأمن لتعرقل أي قرار ملزم في شأن هذا التطور الخطير في الأزمة السورية، وفرض عقوبات تستهدف مسؤولي الحكومة السورية، لاستخدام النظام أسلحة كيماوية محرمة دولياً في قصف خان شيخون، كما استخدمها من قبل خلال الصراع المستمر منذ ست سنوات.

فهل سيلوذ المجتمع الدولي بالصمت ويخنع لابتزاز روسيا، ويواصل النظام السوري ارتكابه لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتتغاضى الإدارة الأميركية عن هذه الجرائم البشعة وتطوي هذا الملف، وتمارس ما انتقدته في سياسة أوباما؟ وهل ستترك الإدارة الأميركية روسيا تتحدى العالم دائماً بهذا الفيتو الذي تشهر سيفه في وجه القانون الدولي، لتعطل به مجلس الأمن وتجعله غير ذي قيمة مسلوب النفوذ منزوع التأثير؟

أليس استمرار الوضع على ما هو عليه في ظل هذه التطورات الشديدة الخطورة، يشكل وصمة عار في جبين المجتمع الدولي الذي تبلد ضميره وتكلس إحساسُه بخطورة الحالة التي يمرّ بها العالم اليوم؟ أليست السياسة الأميركية المتذبذبة في هذه المرحلة الحرجة، هي من العوامل القوية التي تشجع روسيا الاتحادية على الإيغال في فرض هيمنتها على سورية، وربما منها تنطلق إلى مناطق أخرى، لتكون الرقم الصعب في معادلة المنطقة؟

في ظل هذه السياسة الأميركية المتناقضة وغير الواضحة المعالم، يتمدّد الإرهاب ويستفحل خطره. وتزداد الأوضاع في منطقتنا اضطراباً لدرجة قد يستعصي معها الوصول إلى حلول حاسمة للمشكلات المترتبة عليها، والانتهاء إلى التسويات العادلة للأزمات المشتعلة القائمة.
إن الحقائق على الأرض تؤكد أن سورية ستكون قاعدة لصراعات دولية وإقليمية محتدمة قد تتطور في ظل هذا التهاون والخــنوع، فتؤدي إلى فوضى مدمرة تهدد أمن العالم كله. فإيران لها مخططاتها المعلنة الهادفة إلى نشر عقيــــدتها ودعم أنصارها بالمال والسلاح، وإســـرائيل لها حساباتها الاستراتيجية التــي من ضمنها إبقاء المنطقة ممزقة وضعيفة ومتناحرة ضماناً لأمنها. وفي ظل هذا الوضع المتردي يقوى الإرهاب ويتمدد وتزداد المشاعر تأججاً.

ولن يُخرج المنطقةَ من هذه الفوضى الهدامة والدمار المستمر للإنسان وللعمران، سوى صحوة ضمير المجتمع الدولي بكل مكوناته، لوضع الأمور في نصابها، وتطبيق القانون الدولي في شكل عادل وحاسم، ومحاكمة مجرمي الحرب الفاشيين مصاصي دماء الشعوب وناشري الفوضى الهدامة، وتحرير الشعب السوري من براثن الطغاة الذين خنقوا أنفاسه، ودمروا وطنه، وهجّروا نصف سكانه، وأحالوا البلد إلى خراب ودمار وأرض يباب.

فهل توقظ مجزرة خان شيخون الضمير العالمي من الرقاد، وتدفعه إلى التحرك في هذا الاتجاه الصحيح؟
ذلك هو السؤال الذي ينتظر العالم الجواب عنه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف