لمحة داخل دائرة ترمب الداخلية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
جاري سيلفرمان
دونالد ترمب لديه طريقة مُضحكة لتكوين الصداقات. في حالة مطوّر العقارات الأمريكي المنافس، ديفيد كورديش، ترمب رفع دعوى ضده أولاً.
كورديش أصبح بمنزلة مشكلة؛ لأنه أبرم صفقة لبناء اثنين من الكازينوهات مع الأمريكيين الأصليين في فلوريدا، كان ترمب يريدهما لنفسه. بعد نوبة من الغضب انتابته لأن واحدا من شركائه السابقين انضم إلى فريق كورديش الفائز، رفع ترمب دعوى مدنية عام 2004، على أمل الفوز بمئات الملايين من الدولارات تعويضا عن الأضرار.
إجراءاته القانونية فشلت - كورديش رفض دفع سنت واحد للمُدّعي الذي سيكون رئيساً - وتمت تسوية الدعوى عام 2010، لكن على طول الطريق، توافرت لدى ترمب فرصة للقاء كورديش، والنتيجة كانت تشكيل واحد من التحالفات الرئيسة في دائرة الرئيس الداخلية. يشتمل موظفو ترمب في البيت الأبيض اليوم على ريد كورديش، ابن ديفيد، الرجل الذي أراد الرئيس في الماضي تمزيقه.
يتذكر ترمب في مناسبة سياسية عام 2015 حين تعرّف على ديفيد كورديش نفسه: "لم أكن أعرفه، لكنني قلت لنفسي سأحصل على هذا الرجل، أيّاً كان. دخلتُ وتعرفت عليه في نحو دقيقتين".
الشخص موضع إعجاب الرئيس هو المؤسس البالغ من العمر 77 عاماً لإمبراطورية تجارية عائلية في بالتيمور، ماريلاند، الذي يتباهى بالركض ثلاثة أميال يومياً، ويعمل ما يُقارب 100 ساعة في الأسبوع، ولا يتردد عندما يُسأل ما إذا كان من أصحاب المليارات.
كورديش، المحامي، كان يعيش باللعب وفق قواعده الخاصة. بعد عمله أولاً في الحكومة ومن ثم إلى جانبها، طوّر كورديش شراكات بين القطاعين العام والخاص لإحياء المناطق الحضرية – وهو أنموذج يود البيت الأبيض برئاسة ترمب استخدامه في مشاريع البنية التحتية. من خلال الاستفادة من معرفته بالثغرات القانونية، استطاع الالتفاف على أمثال ترمب ليُصبح قوة كبيرة في قطاع الكازينوهات - لديه الكازينو الخاص به في ضواحي ميريلاند في العاصمة واشنطن، ورخصة لتشغيل كازينو آخر في فيلادلفيا، وخطط لإنشاء مجمّع ترفيهي وكازينو بقيمة 2.2 مليار دولار في إسبانيا، إذا تمكّن من إقناع المسؤولين المترددين في مدريد برؤية الأشياء كما يراها.
في الوقت الذي يحاول فيه العالم فهم البيت الأبيض برئاسة ترمب، تجربة الأشخاص مثل كورديش تُعتبر مفيدة. مثل الرئيس، هو وريث شركة عائلية صنع اسمه من تطوير العقارات الجذّابة في المدن الكبيرة وتنوّع إلى الكازينوهات. وهما يُمثّلان زاوية خطيرة ومتقلّبة في عالم الأعمال حيث الاتهامات تُقدّم ومن ثم تُنسى، والعلاقات مرنة وغير جامدة، ومعارك المحاكم قد تكون مجرد طريقة أخرى للتعرّف على الشخص. كما يكتشف الناس الذين يتعاملون مع ترمب – وكما اكتشف كورديش بالتجربة - النتائج ليست لضعاف القلوب.
عندما سألته "فاينانشيال تايمز" عن معركته مع صديقه، الرئيس، قال كورديش: "إذا كنت في الحلبة، فستُغطى بالدم. أنا في الحلبة".
نزهة لكسب المال
نشأ كورديش في بالتيمور التي خلدها فيلم Diner من إخراج باري ليفينسون عام 1982. كورديش الذي ولِد في وضع جيد نسبياً - أسس جدّه ما أصبح شركات كورديش عام 1910 وخدم والده في المجلس التشريعي في ميريلاند - وكان مع ذلك شخصا يصعب التعامل معه. بعد التخرّج في المدرسة الثانوية وعمره 16 عاما، دخل جامعة جونز هوبكنز ولعب – في فئة 140 رطلا – مع فريق اللاكروس (لعبة تستخدم فيها مضارب ذات مقابض طويلة لدفع الكرة إلى مرمى الخصم) في بطولة الجامعات عام 1959.
خلال فصول الصيف كان يسافر، كما قال، متطفلاً إلى غرب الولايات المتحدة، وعمِل في وظائف غريبة، مثل تعليب الخوخ في ميرسيد، كاليفورنيا، ومكافحة حرائق الغابات في حديقة وادي الموت الوطنية، وخدم نادلا في مطعم ألماني في لاس فيجاس، حيث عمل بلباس منطقة الألبان. يتذكر كورديش لاس فيجاس في تلك الحقبة مكانا أكثر هدوءا يمتلئ بشكل رئيس في ليالي الجمعة، عندما يأتي المتقاعدون من لوس أنجلوس.
بعد كلية الحقوق، انضم إلى شركة العائلة وعاش ما يصفه بأنه الحياة السهلة لشخص يعمل في التطوير في الضواحي. تخصصه كان في مراكز التسوّق الخارجية من النوع غير المميز، حيث الطبقات المتوسطة في الولايات المتحدة تشتري مواد البقالة.
يقول: "الضواحي هي نزهة لكسب المال كمطوّر. المطوّر الذي لا يستطيع كسب المال في الضواحي يجب أن يتخلّى عن رخصته".
بدأ كورديش في مواجهة تحدّيات جديدة في السبعينيات، عندما استخدمه أحد أصدقائه من المدرسة الثانوية لوضع "برنامج منحة التنمية الحضرية" لوزارة الإسكان في عهد الرئيس جيمي كارتر.
الهدف من المِنح الجديدة كان معالجة اختلال كان كورديش يعلم به: ارتفاع نفقات البناء في المناطق الحضرية. إذا كانت هناك مساحة لموقف للسيارات في مركز تسوّق في إحدى الضواحي يُكلّف بناؤه أربعة آلاف دولار، كما يقول، فإن موقف سيارات في المدينة سيتطلب ميزانية بقيمة 20 ألف دولار؛ لأن من الضروري بناء مرآب مناسب. بموجب برنامج منحة التنمية الحضرية، ستعمل الحكومة على مماثلة الاستثمار الخاص بنسبة معينة - بوضع دولار، مثلا، مقابل خمسة دولارات من المطوّرين - لإيجاد فرص العمل في المناطق الحضرية الكئيبة.
مع ذلك، كورديش لم يكُن بيروقراطيا من النوع الذي يُغادر بحال جيدة بما فيه الكفاية وحده. كمطوّر، اعتقد أن مصالح القطاع الخاص ستُشارك في البرنامج حتى إن قدّم "قروضا مُيسّرة" - يُمكن تسديدها فقط إذا نجح المشروع - بدلاً من المنح. يقول كورديش إنه أقنع وزيرة الإسكان، الراحلة باتريشيا روبرتس هاريس، بإحداث التغيير. لكن المشكلة جاءت عندما ظهر أمام لجنة الكونجرس وطلب منه رئيسها شرح السبب في أن برنامج منحة التنمية الحضرية كان يجمع المال بينما كان من المُفترض فقط أن يمنحه.
يتذكر كورديش "قُلت: ’هل يعترض رئيس اللجنة على جعل دافعي الضرائب يستعيدون أموالهم؟‘ قال: ’اخرج من هنا‘". من خلال اعتبار نفسه "مُباركا" من الكونجرس نتيجة لذلك، قال كورديش إنه كتب تشريعا بموجبه تتم إعادة الأموال التي جمعها إلى المُدن لأغراض التجديد الحضري.
بعد أن خدم في عهد الرئيس الجمهوري رونالد ريجان، عاد كورديش بدوام كامل إلى الشركة في أوائل الثمانينيات. في تلك المرحلة، أصبح جانب القطاع الخاص للشراكات بين القطاعين العام والخاص التي أحيت مُدنا تراوح من مدينته، بالتيمور - حيث المقرّ الرئيس لشركته يقع على ميناء إنر الذي أُعيد تطويره - إلى مدينتي كانساس وسانت لويس في ميسوري، وهيوستن وتشارلستون في كارولينا الجنوبية. سواء أحببنا ذلك أم لا، مقاطعة الترفيه الحضرية في الولايات المتحدة اليوم - المكتظّة بالمطاعم ذات العلامات التجارية التي تطلّ عادةً على الواجهة البحرية أو تُجاور استادا رياضيا - هي تماماً مفهوم كورديش.
في بعض المشاريع، تلقّى كورديش المساعدة من برنامج التجديد الحضري الحكومي الذي ساعد على إنشائه. ويُدافع عن هذه الممارسة، علّما أنه بموجب برنامج منحة التنمية الحضرية، المطوّر والمدينة قدّما مقترحات مشتركة. يقول: "أنا أعرف كل القواعد، لكن المدينة يجب أن تدفع طلبك فعلاً". في مشاريع تنمية أخرى، استخدام كورديش آليات بديلة للتعاون بين القطاعين العام والخاص، مثل التمويل بضريبة إضافية - سندات تُصدرها البلدية وتخدمها الضرائب من المناطق المُعاد تطويرها.
مشكلة الأموال القديمة
علاقات عائلة كورديش مع الحكومة أصبحت أكثر تعقيداً الآن بعد أن ترك ريد كورديش، (42 عاماً) شركة العائلة - على الأقل فترة من الوقت - ليعمل مساعدا لترمب في المبادرات التكنولوجية وبين الدوائر الحكومية وعضوا في مكتب البيت الأبيض للابتكار الأمريكي.
يقول والده: "نحن نفتقده. في أي وقت سيرغب الرئيس في إعادته، سنأخذه".
ريد كورديش لديه علاقات وثيقة بشكل خاص مع عائلة ترمب. عندما كان ديفيد كورديش يتطلّع لتزويج ابنه، لاعب التنس المُحترف السابق الذي درس في جامعة برنستون، لجأ إلى ابنة الرئيس، إيفانكا، للمساعدة وعرّفت ريد على إحدى الصديقات التي أصبحت زوجته. شركة عائلة زوج ابنة ترمب، جاريد كوشنر، أخذت أيضاً حصصا صغيرة في اثنين من مشاريع التنمية لعائلة كورديش في مدينة كانساس، ميسوري.
قال ريد كورديش في رسالة بريد إلكتروني مُرسلة إلى "فاينانشيال تايمز" إنه "ليس له علاقة مع شركات كورديش" لكنه يبقى "عضوا سلبيا" في بعض الشركات ذات المسؤولية المحدودة. في كشف صدر الشهر الماضي، أعلن كورديش عن دخل سنوي يراوح بين 48 مليون دولار و55 مليون دولار - القسم الأكبر منه، 25 مليون دولار، من حصة في كازينو ميريلاند لايف! التابع لعائلة كورديش، على بُعد نحو ساعة بالسيارة من البيت الأبيض.
باعتباره أحد موظفي البيت الأبيض، يُحظر على كورديش اتّخاذ الإجراءات التي تُساعد استثماراته. لكن لأنه لا يملك حصة أغلبية في شركة عائلته، لن يكون عُرضة لما يُسمى بند المكافآت في الدستور الأمريكي - الذي يحظر على المسؤولين في الحكومة الحصول على منافع من الدول الأجنبية – في حال حصلت شركات كورديش على مثل هذه المزايا في بلدان أخرى، كما يقول ريتشارد بينتر، مستشار الأخلاقيات للرئيس جورج دبليو بوش.
يقول بينتر: "أنا أدعو ذلك مشكلة الأموال القديمة. بند المكافآت لا ينطبق على الدفعات المُقدمة لوالديك".
عندما سُئل عن مؤهلاته من أجل البيت الأبيض، أشار ريد كورديش إلى خبرته في المزج بين مصالح القطاعين العام والخاص بوصفه مسؤولا سابقا في شركة عائلته. مع ذلك، في البيت الأبيض المليء بالحديث عن استخدام الشراكات بين القطاعين العام والخاص لبناء البنية التحتية، يُشير سِجل كورديش إلى المخاطر التي تواجه مثل هذه الجهود فضلاً عن الإمكانات.
عصا المايسترو
الفكرة وراء كثير من صفقات التجديد الحضري لديفيد كورديش كانت من أجل الاستفادة من البنية التحتية القائمة - أنظمة الطاقة والمياه والصرف الصحي الموجودة في المناطق الأكثر كآبة - وإدخال الشركات، مثل شركات الطعام والشراب، التي لديها القدرة على كسب المال. سيكون بناء سد أو جسر أمرا مختلفاً؛ لأنه سيكون هناك عدد أقل من الطُرق السهلة لجمع الإيرادات من الجمهور.
ما يُمكن أن يُعلّمه ديفيد كورديش للإدارة هو كيفية تحويل القواعد السائدة لمصلحة الشركات. الصفقة التي يفخر بها أكثر من غيرها - تلك التي مكّنته من دخول مجال الكازينوهات - هي مثال رئيس. أول شريك له في القطاع كانت قبيلة سمينول من فلوريدا، حكومة ذات سيادة بموجب قانون الولايات المتحدة. أرادت قبيلة الأمريكيين الأصليين فتح كازينوهات على غرار لاس فيجاس في تامبا وهوليوود، فلوريدا، لكن كانت هناك مشكلة: بموجب قواعد الولاية لا يُمكنها سوى تقديم لعبة البنجو.
يقول ديفيد كورديش: "بدأنا في النظر إلى ما يُمكننا فعله بالقانون. كيف يُمكن أن تجعله أمرا شرعيا؟".
حل كورديش كان "لعبة بنجو مُحسّنة إلكترونياً". من خلال العمل مع شركة تصنيع، طوّر فريق كورديش شكل اللعبة وفتح كورديش والقبيلة اثنين من كازينوهات هارد روك عام 2004 - التي جذبت الكثير من النشاط بحيث أن ترمب أراد الحصول على حصة من ذلك.
الأمور لم تجر بسلاسة دائماً بين كودريش وقبيلة سيمينول. في مرحلة ما، رفعوا دعاوى ضد بعضهما بعضا. في نهاية المطاف، عقدت القبيلة صفقة - التقارير تضع قيمتها بمقدار 756 مليون دولار - لشراء حصة كورديش في المشروع. كورديش رفض الشجار. تعاملاته مع قبيلة سيمينول "ودّية جداً" و"لا تزال ودّية"، كما يقول، مُضيفاً أن شركته تستمر في تقديم خدمات لكازينوهات هارد روك.
الاختبار الكبير التالي لبراعة كورديش يلوح في إسبانيا. في كانون الأول (ديسمبر)، كشفت شركته عن خطة لبناء مجمع فنادق وترفيه بقيمة 2.2 مليار دولار خارج مدريد. لكن السلطات الإقليمية رفضت الاقتراح الشهر الماضي، قائلة إنه سيتطلب الكثير من الاستثمار في البنية التحتية من جانبها.
كما هي الحال عادةً مع كورديش، الوضع معقد. هو يقول إنه لا يسعى للحصول على مساعدة في البنية التحتية من الحكومة وإنه مستعد للبدء في البناء - بعد أن أمضى عامين ونصف العام في تأمين الحقوق لـ 350 فدانا من الأراضي قبل أن يتقدم بعرضه. ستكون هذه ضربة معلم أخرى إذا نجحت: منتجع من هذا النوع سوف يتمتع باحتكار لمدة عشرة أعوام في منطقة مدريد.
الحكومة الإقليمية من يمين الوسط في مدريد تقول إن كورديش حر في تقديم خطة جديدة، وهو يعمل للاستفادة من ذلك إلى أقصى حد ممكن. مع بقاء ثلاثة أعوام على عيد ميلاده الثمانين - ويتطلّع للبدء في مشروع يعتقد أن إنهاءه يستغرق عقدا من الزمن - كورديش لا يزال في مجال تكوين صداقات جديدة.
يقول: "نبقى متفائلين جداً أن الحكومة الإقليمية ستتفهم مزايا اقتراحنا".