النظام الرئاسي في العراق .. لماذا وكيف ؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
فاتح عبد السلام
قبل سنوات عدة، قال السياسي الكردي المخضرم محمود عثمان أنه إذا استمر العمل بالأغلبية السائدة في الانتخابات من خلال قوائم تمثل الطوائف والنسب المخصصة لهم في المقاعد ،فإن لامعنى للانتخابات وسوف يكون الفوز محتكراً ومفروغاً منه لصالح طائفة معينة في كل مرة ما دامت تمثل الاغلبية ، وما لم تتغير المعادلات السياسية.
المشكلة قائمة ومستمرة لأنه لا توجد تحت السقف المتداول للعملية السياسية أحزاب عابرة للطائفية ،وإن وجدت نواة لها هنا أو هناك ،فلا يسمح لها بالتحرك في بيئات تحكمها الاحزاب والكتل الطائفية المعروفة في العراق . لكن هذا الحال هو حال تقسيم العراق الفعلي ، فلا منطق في تأسيس كل شيء على أساس تقسيمي وطائفي وعرقي ، ومن ثم المناداة بوحدة العراق ورفض الفيدراليات ومعاداة قيام دولة كردية مستقلة . كل شيء مترابط ، ومَن لا يقبل بمشاركة الجميع في صنع قرار البلد عليه أن يتحمل نتائج اتجاه الآخرين المهمشين نحو اتخاذ قرارات أخرى . لكن الوضع من الصعب اصلاحه اذا استمرت الادوات نفسها ، وهي سوف تستمر لفترة ليست قصيرة كما يبدو من حصيلة التحرك في المشهد السياسي ومحيطه الاقليمي والدولي . اذن ما هو الحل ؟
العراق يحتاج الى مؤسسة توازن الخلل المستمر في الوضع الراهن الذي يمثله البرلمان وما يفرزه من تحالفات تشكيل الحكومة ، وهذه المؤسسة لابد أن تكون الكفة الراجحة والمؤثرة وغير خاضعة لاستقطابات الاحزاب الحاكمة ، وأن يكون للشعب الكلمة الأوضح في صنع المؤسسة الجديدة التي من الممكن ان تكون هي مؤسسة الرئاسة الناتجة عن تغيير النظام في العراق من برلماني ،يسوق الوضع نحو التدهور المتراكم الى نظام رئاسي يخضع فيه الرئيس الى الانتخاب الحر المباشر ، وهذا يتطلب اعلان شروط دقيقة وواضحة وعادلة للمرشحين الى الرئاسة والمناصب الرئاسية المؤثرة في المؤسسة التي يقع عليها مسؤولية ضبط الايقاع السياسي العراقي على وفق أسس وطنية لا حزبية ولا طائفية حتى لواستمر عمل الاحزاب الطائفية . لكن مؤسسة الرئاسة المقترحة هنا لابد أن تمسك بالقيادة الاعلى للقوات المسلحة والقرارات المصيرية . حيث الآن لا يوجد قوة تواجه التواطؤ بين البرلمان والحكومة. والإثنان متناسلان متداخلان ليس من خلال الأسماء الفردية وانما من خلال العناوين السياسية .
عمق مصيبة العراق السياسية أبعد من هذا المقترح الذي بلاشك تعتريه العراقيل ، لكن اليأس الكبير يستدعي حضور الآمال الصغيرة والخطوات التي لا تلبي الطموح في الانتقال العاجل نحو ضفة الخلاص ، بعد سنوات من الانحطاط .
الانتقال الى النظام الرئاسي هو مرحلة نضوج عظيمة في العمل السياسي، لا تتوافر شروطها الآن في المشهد الراهن ، لكن العراق يمتلك في اعماقه طاقة خلاقة دائمة يمكن أن تساعده الى عبور الحالة الخائسة الى الحال الصحيح فيما لو توفرت ارادة دولية داعمة بالشكل الصحيح . وأقصد هنا دعم العراق ككل وليس ذلك الدعوم الجزئي الذي يسفر عن تحريض فئة على أخرى .