التمثيلية الرئاسية الإيرانية: صفعة أخرى
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
التمثيلية الرئاسية الإيرانية: صفعة أخرى على الطريق
أمير طاهري
في هوليوود القديمة، كانت لفظة «المزاح» ترمز إلى صيغة، ورغم افتقارها للأصالة، فلا تزال توفر نوعاً من النواة لفيلم من أفلام الدرجة الثانية حاز بعض النجاح.
وأي شخص من المتابعين لحملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في جمهورية إيران الإسلامية سوف يلاحظ أوجه الشبه البادية بين هذه المزحة المتأسلمة وأفلام هوليوود القديمة.
يدعى الشعب الإيراني وغيرهم من المهتمين بالشؤون الإيرانية، مرة كل أربع سنوات، إلى المشاركة في، أو على أدنى تقدير، مراقبة ما يُعرض عليهم باعتباره السباق الدراماتيكي للسلطة من قبل الفصائل المتنافسة التي تروّج وتدافع عن برامج مختلفة ومتنوعة بصورة حادة. وبالتالي، نرى بضعة أسابيع من الإثارة المستمرة عبر الأثير لكي تمنح الانطباع بأن النظام العجيب الذي أرسى أسسه الراحل آية الله الخميني هو النسخة الإسلامية من الديمقراطية الملعونة التي تروّجها الأنظمة الكافرة. ويستخدم هذا العرض كذلك في إلقاء اللوم بشأن كل ما هو خاطئ في البلاد على الرئيس المسؤول خلال السنوات الأربع المنصرمة، وينتهي الأمر في أغلب الأحيان بإعادة انتخاب الرئيس نفسه لأعوام أربعة أخرى.
ويعرض النص المازح وجود ثلاثة من المرشحين في الانتخابات الرئاسية الذين يمثلون «السيئ»، و«الأسوأ»، و«الأكثر سوءاً».
وهذا من الأمور المهمة التي تسبب الإرباك ليس فقط للشعب الإيراني، وإنما للقوى الأجنبية المهتمة بإيران أو المنزعجة بسبب إيران.
في عام 1997 صدق عدد قليل من المواطنين الإيرانيين الخدعة بأن محمد خاتمي، وهو من ملالي الصف الثاني في إيران، يمثل الخيار «السيئ» في مواجهة علي أكبر ناطق نوري، وهو أيضاً من ملالي الصف الثاني، الذي لعب دور الخيار «الأكثر سوءاً». وفاز خاتمي في الانتخابات وانتهى الأمر بإيران لثماني سنوات من الرئاسة التي شهدت سلسلة من الاغتيال والاعتقال للمثقفين ومنتقدي النظام الحاكم إلى جانب الرقابة الصارمة، وزيادة الدعم للجماعات الإرهابية، وأخيراً التوسع الهائل، والسري، في المشروع النووي الإيراني.
وخلال الحملة الرئاسية لعام 2005، لعب محمود أحمدي نجاد دور المرشح «الأكثر سوءاً» الذي انتصر في نهاية المطاف. ومن المفارقات، وفي بعض المواقف المهمة تبين أنه ليس بمثل سوء محمد خاتمي. فلقد غض طرفه كثيراً عن المواضع التي ينتشر فيها الفساد كالنار في الهشيم، ولكنه تراجع عن الاستمرار في الحملات التي نظمت لقمع منتقدي النظام والمنشقين عنه. ولقد استمتع البعض بأداء المهرجين الذي كان يحسنه، ولكنه أثار حفيظة الكثيرين، غير أنه لم يُترجم إلى زيادة كبيرة وملحوظة في التدابير القمعية للنظام الإسلامي في إيران.
وقبل أربع سنوات، تراجع الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الوراء لكي يفسح الطريق لمساعدة حسن روحاني، الذي اعتقدنا وقتذاك أنه يمثل الخيار «الأسوأ» مقارنة بالخوف من سعيد جليلي، الذي وصف وقتها بأنه «الأكثر سوءاً»، ولقد تولى روحاني إثر ذلك رئاسة الجمهورية الإسلامية. وكانت الفترة الأولى من ولاية روحاني أسوأ بكثير من الفترة الأولى لولاية محمد خاتمي؛ فإيران هي الدولة الأولى على مستوى العالم من حيث تنفيذ عقوبة الإعدام، وتحتل المرتبة الثانية من حيث عدد السجناء السياسيين، وهي على رأس قائمة الدول التي ترعى الإرهاب الدولي.
ولإضافة مزيد من التوابل إلى هذه الخلطة، يحث النظام وأنصاره في الغرب على دعم المرشح الذي من المفترض أن يكون الأبعد عن تأييد المرشد الأعلى علي خامنئي. ولقد كانت هذه هي الحالة مع محمد خاتمي من قبل، ونقصد محمود أحمد نجاد وحسن روحاني.
وفي هذا العام، فإن المرشح المفترض أن يمثل الخيار «الأكثر سوءاً»، في حين أنه الأقرب إلى علي خامنئي، هو إبراهيم رئيس السادات، والملقب بـ«رئيسي»، وهو من ملالي الصف الثاني، الذي نال مؤخراً منصب رئيس مؤسسة الإمام الرضا في مدينة مشهد، وهو من أكثر المناصب ربحية في الجمهورية الإسلامية في الوقت الحالي.
وباستثناء مفاجآت اللحظة الأخيرة، فسوف يخوض حسن روحاني السباق باعتباره المرشح «السيئ»، حاملاً ابتسامته المشهورة وملوحاً بالمفتاح الكرتوني الذي يمثل وعوده بفتح الأبواب المغلقة.
وليس من المستغرب عودة التيمات المازحة القديمة من جديد.
تطالب جماعات الضغط الإيرانية في الغرب بدعم حسن روحاني الذي من المفترض أن يكون عاقداً للعزم على فعل، خلال السنوات الأربع المقبلة، ما لم يستطع أو يريد القيام به خلال السنوات الماضية.
وأحد المدافعين في الولايات المتحدة، ويدعى عبد الكريم سوروش، والملقب باسم «مارتن لوثر الإسلام»، يدعو الشعب الإيراني لاختيار المرشح «السيئ»، الذي يصفه بأنه «الأصلح»، ويقصد بذلك حسن روحاني. والبعض الآخر حدد رئيسي بأنه المرشح الأقرب إلى علي خامنئي، وبالتالي فهو يستحق السحق والسخط من قبل الناخبين الغاضبين. وربما تضم قائمة المرشحين في هذه المرة جليلي القديم الجديد، وهو يلعب دور المرشح «الأكثر سوءاً» خلال السنوات الأربع الماضية، ومن المفترض أن يقوم بدور «الأسوأ» في هذه المرة.
ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أنه في عام 1997 لم يكن ناطق نوري المرشح الأقرب من علي خامنئي كما كان الحال في انتخابات عام 2005، حيث لم يكن المرشد الأعلى يحبذ محمود أحمدي نجاد بشكل خاص. والمرة الوحيدة التي أعرب فيها علي خامنئي عن رأيه الشخصي بشأن أي مرشح للرئاسة كان في عام 2005، عندما أوضح أنه لا يريد لصديقه القديم وخصمه الجديد هاشمي رفسنجاني أن يستعيد كرسي الرئاسة.
بالنسبة إلى خامنئي، فإن الانتخابات الرئاسية ليست إلا إشرافاً لمدة أربع سنوات على النظام الخميني، ونوعاً من أنواع الاستفتاء الشعبي المعتاد على شرعية النظام الحاكم بدلاً من اختيار رئيس فردي يحكم البلاد. وفي الانتخابات الجارية كذلك، أشكك في أن خامنئي حريص بصورة خاصة على أن يتولى إبراهيم رئيسي رئاسة البلاد. ومن الصحيح، أن رئيسي من المحسوبين فعلاً على علي خامنئي، حيث يرجع مسقط رأسه لمدينة مشهد الإيرانية ويحمل الرؤية الضيقة الجامدة نفسها للأمور مثل المرشد الأعلى سواء بسواء. ورغم ذلك، فلن يعارض خامنئي إذا ما فاز روحاني بالرئاسة مرة أخرى أو إذا ما انتهى الأمر بفوز أي من المرشحين الذين كان قد وافق عليهم في السابق.
ورغم أن روحاني كان من أنصار الراحل رفسنجاني، فإنه يملك سجلاً وظيفياً لمدة 30 عاماً في الأجهزة الأمنية التي يسيطر عليها علي خامنئي. كما أنه الأقرب إلى العناصر القوية في الحرس الثوري الإيراني الذي يجسد العمود الفقري للدعم المحلي للنظام الحاكم.
إن العامل الوحيد المهم لدى علي خامنئي بقدر ما يتعلق الأمر بحسن روحاني هو محاولات الأخير الحثيثة تخفيف حدة التوتر مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من ذلك، ومع رحيل الرئيس باراك أوباما عن البيت الأبيض وعدم مقدرته على مواصلة الأداء السليم للحركات السياسية المطلوبة، فقد تحول روحاني على نحو مفاجئ وسريع نحو استراتيجية «التوجه شرقاً» التي اعتمدها علي خامنئي من التحالف مع روسيا. وفي حقيقة الأمر، أطلق روحاني حملته الانتخابية على أثر زيارة خاطفة إلى موسكو والتقاط الصور الثنائية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقبل أربع سنوات مضت، تعهد روحاني، على غرار خاتمي من قبله، بإجراء الإصلاحات. والآن، ومع ذلك، أصبح من الواضح مرة أخرى، أن الجمهورية الإسلامية لا يمكن إصلاحها. وفي هذه المرة، تعهد محمود أحمدي نجاد بالقضاء على الفساد، وعلى التمييز، وعلى الفقر، تماماً كما تعهد إبراهيم رئيسي بكل ذلك. اليوم، وبعد ثماني سنوات، انتهى الأمر بإيران إلى المزيد من الفقر، والتمييز، والفساد.
ولا تكمن المشكلة في من يلعب دور الرئيس في تمثيلية الديمقراطية الإيرانية الزائفة، ولكنها تكمن في النظام الضئيل المغمور الذي تلاشت فيه وتبخرت جميع مسارات الإصلاح والتنمية والرخاء.
وهكذا فإن التساؤل الذي يواجه الشعب الإيراني لا يتعلق بمن هو «أصلح» بين مختلف الدمى السياسية المعروفة، ولكن القضية الأساسية تتعلق بما إذا كانوا يرغبون في استمرار هذا النظام المنهك المنهار. وإن لم يكونوا يعبأون ما شاركوا أصلاً في هذه التمثيلية السخيفة. فقبل أربع سنوات، سجلت الانتخابات الرئاسية الإيرانية أدنى معدلات مشاركة الناخبين في التصويت وفاز حسن روحاني بأدنى الهوامش المسجلة في تاريخ الجمهورية الإسلامية. وكانت الانتخابات السابقة، بطريقتها المحدودة للغاية، كمثل الصفعة القوية على وجوه أنصار النظام الخميني. فهل سوف نشهد صفعة مماثلة هذه المرة أيضا؟ ربما.. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .