جريدة الجرائد

مدينة تونسية تحتفي بطفل شقيّ لا يكبر أبداً

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

  صالح محمد سويسي 

في أواخر نيسان (أبريل) من كل سنة، يحتفل سكّان مدينة قصر هلال في الساحل التونسي (180 كلم جنوب العاصمة) بذكرى ميلاد أحد أبنائها في أجواء احتفالية كرنفالية.

قد يبدو الخبر عادياً جداً ولا يحمل جديداً، ولكنّ الحكاية لها أبعادها الإنسانية والاجتماعية، ولها أيضاً تأثيراتها المباشرة، إذ إنّ المُحتفى به هو واحد من ذوي الحاجات الخاصة، يعاني «متلازمة دوان» منذ ولادته قبل أكثر من نصف قرن ويحتفل هذه السنة بعيد ميلاده الثالث والخمسين وهو في صحّة جيّدة.

عبد الحي بوغزالة يتجول بين الناس في الشوارع والأسواق ويعمل أيضاً في أحد مقاهي المدينة حين يريد هو أن يمارس العمل، يحبّه الناس جميعاً ويمازحونه ويسعد كثيرون بصحبته واستضافته.

عبد الحي أشبه بطفل شقيّ لا يكبر أبداً، تسعده كلمة جميلة أو عناق أو قبلة على جبينه...

وبما أنّ التعليم والرعاية المناسبين قد يحسّنان نوعية الحياة للمصابين بهذه الحالة، فإنّ عزّوز كما يحلو للكثيرين تسميته، يعيش في إطار عائلي مميّز، ولا يشكو نقصاً في أيٍّ من مستلزمات الحياة، بل على العكس هو الأخ المدلّل داخل البيت وخارجه، وهو ابن الجميع وأخ الجميع...

مراسم يوم الاحتفال تنطلق باكراً، فيأخذه بعض أحبّته إلى «الحمّام» ومن ثمَّ يلبس ملابس جديدة ويمسك باقة الورود التي لن يتركها حتى نهاية الاحتفالات، ويركب عربة - يجرّها جواد - مزينة بالورد والبالونات الملوّنة لتطوف به الشوارع الرئيسة مصحوباً بالفرق الموسيقية النحاسية والفولكلورية، فضلاً عن العربات القديمة التي يعود بعضها إلى بدايات القرن الماضي.

ويصعد إثر ذلك إلى منصّة وُضعت خصّيصاً من أجل الحدث في حديقة بقلب المدينة ليكون محطّ أنظار الجميع وتحت عدسات الكاميرات والهواتف المحمولة، حين تقام فقرات موسيقية غنائية يقدمها فنّانون من المدينة لإضفاء أجواء احتفالية على التظاهرة الطريفة التي لا تخلو من أهداف إنسانية. وفي نهاية الحفلة، يقطع عزّوز كعكة الميلاد الضخمة التي أعدّت خصّيصاً للمناسبة.

وتداول ناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي عدداً كبيراً من الصور والفيديوات المباشرة التي سجّلت هذا الحدث الذي صار تقليداً سنويّاً في المدينة الساحلية.

ويرى كثيرون أنّ عبد الحي بوغزالة يُعتبر محظوظاً أمام غيره من حاملي هذه المتلازمة التي تتطلّب رعاية خاصة من كل النواحي. ويقول أحد المشاركين في إعداد الحفلة أنّ الهدف الأساسي ممّا يقومون به سنويّاً هو «إدخال البهجة والسرور إلى نفس هذا الفرد المحبوب الذي يعتبر صديق الجميع في المدينة. ونحن نسعى لأن يكون ما نقوم به أنموذجاً يتمّ اعتماده في مدن أخرى من أجل الاهتمام بهذه الفئة من الأشخاص».

ومن بين أطرف التدوينات في «فايسبوك» ما قاله أحد أبناء المدينة الذي اقترح أن يكون يوم عيد ميلاد عبد الحي يوماً وطنياً لذوي الحاجات الخاصة، واعتماد صورته رمزاً لذلك اليوم.

يُذكر أنّ «متلازمة داون» أو «التثالث الصبغي 21» هي متلازمة صبغوية تنتج من تغيّر في الكروموسومات، إذ توجد نسخة إضافية من كروموسوم 21 أو جزء منه في الخلايا، ما يسبب تغيراً في المورّثات. ويصاحب المتلازمة غالباً ضعف في القدرات الذهنية والنمو البدني.

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف