أزمة الكونجرس مع مصر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
هالة مصطفى
على الرغم من الزيارة الناجحة التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى لواشنطن, والتى فتحت صفحة جديدة فى العلاقات المصرية - الأمريكية فى ظل الإدارة الجديدة لدونالد ترامب بعد طول توتر وخلافات, إلا أن جلسة الاستماع الأخيرة التى عقدها الكونجرس بخصوص مصر الأسبوع الماضى جاءت بإشارات مغايرة تلقى بظلالها على التحسن النسبى الذى طرأ عليها.
أعلن البيت الأبيض أن مصر حليف مهم يجب أن تلعب دورا إقليميا قياديا سواء فى الحرب على الإرهاب أو فى تسوية الصراعات التى تشهدها المنطقة, بل واعتبرها مع السعودية والأردن محورا رئيسيا للإستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط, واستنادا إلى هذه الرؤية كانت الوعود بتقديم الدعم ورفع القيود التى فُرضت عليها فى السابق.
بهذه المعانى افتتح رئيس لجنة المخصصات والاعتمادات الخارجية, السيناتور الجمهورى ليندسى جراهام لجنة الاستماع المشار إليها لمناقشة مستقبل المساعدات الأمريكية المقدمة لمصر, وهى الجلسة التى طُلب فيها من ثلاثة خبراء أمريكيين الإدلاء بشهاداتهم فيها, وهم ميشيل دن الباحثة المتخصصة فى الشئون المصرية والعربية بمعهد كارنيجى والدبلوماسية السابقة التى عملت فترة بالقاهرة, وإليوت أبرامز الخبير فى شئون الأمن القومى وكان مسئولا فى إدارة بوش الابن, وتوم ميلونسكى مساعد وزير الخارجية السابق لقطاع الديمقراطية وحقوق الانسان.
المفاجأة أن مواقفهم تشابهت إلى حد التطابق, ربما لأن التنوع فى الاتجاهات لم يراع عند الاختيار, وأيا ما كان الأمر فأهم ما أوردوه فى شهادتهم يتلخص فى الآتى:
أن مصر تشهد تدهورا فى أوضاعها السياسية والأمنية وفى مؤساساتها العامة يُنذر بعدم استقرار أواضطرابات فى المرحلة المقبلة (دون الربط بين ما تعانيه الدولة ومقتضيات مواجهتها للارهاب التى تضعها فى ظروف استثنائية).
فشل السياسات الاقتصادية وتزايد معدلات البطالة, وهى سياسات لاتخدم سوى فئة ضيقة من أصحاب المصالح وليس القطاع الأوسع من المواطنين (من غير ذكر للاصلاحات التى اتخذتها الحكومة بالاتفاق مع صندوق النقد الدولى وكانت موضع إشادة من منظمات التمويل الدولية).
التضييق على منظمات المجتمع المدنى المصرية والأوروبية والأمريكية بما يتنافى مع مبادئ ومرتكزات السياسة الخارجية الامريكية, وكذلك انتهاك حقوق الانسان وغياب الحريات العامة وغيرها مما هو معتاد قوله وترديده عن الاعتقال التعسفى والاختفاء القسرى (لم يرد أى ذكر لما سبق أن أوضحته مصر رسميا فى هذا المجال ولا للجنة العفو الرئاسى عن المحبوسين احتياطيا).
تراجع دور مصر الاقليمى فى مناطق الصراع التى تشهدها المنطقة من سوريا إلى العراق واليمن وحتى كوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
رفض إدراج جماعة الاخوان المسلمين كجماعة إرهابية بدعوى تأثيره السلبى على الحرب على داعش (بعبارة أخرى الانتصار لوجهة نظر الإداراة السابقة فى ضرورة احتواء الإخوان «المعتدلين» فى مواجهة المتطرفين من الجماعات الإسلامية المسلحة).
الافتقاد لآلية رقابة فعالة على المساعدات الأمريكية لمصر بسبب غياب الشفافية فى طرق إنفاقها, بالاضافة إلى استمرار الدعاية المضادة للولايات المتحدة فى الاعلام المصرى.
بالتالى، وانطلاقا من هذه النظرة شديدة السلبية، جاءت التوصيات بجعل المعونة مشروطة بالاصلاح, والحديث كان تحديدا على المساعدات العسكرية (1.3 مليار دولار سنويا) بحكم تضاؤل حجم مثيلاتها الاقتصادية (بدأت وقت إقرارها مع توقيع معاهدة السلام بـ850 مليون وخُفضت تدريجيا حتى وصلت إلى 150 مليون دولار سنويا) أى بالضبط مثل ما فعلته إدارة أوباما بعد 30 يونيو وإسقاط حكم الاخوان, حيث علقت جانبا من تلك المساعدات إضافة إلى صفقات السلاح وأوقفت المناورات العسكرية المشتركة المعروفة بالنجم الساطع, ثم تراجعت عن بعض هذه الإجراءات وإن أبقت على احتجاز ما يقرب من 15% من إجمالى القيمة المقررة, وشبيه أيضا بما أقدمت عليه إدارة بوش الابن قبلها فى 2005 زمن مبارك, وفى كل مرة كان ملف حقوق الانسان حاضرا يضاف إليه ما يُستجد من قضايا, كان من ضمنها فى ذلك العام مسألة استقلال القضاء وغلق الأنفاق مع غزة.
بالطبع ليس شرطا أن تفرض هذه الرؤية نفسها على كل النخبة السياسية الأمريكية ولا أن يتبناها الكونجرس بمجرد الاستماع إلى شهادات من عبروا عنها, مع الاعتراف بتأثيرها فى بعض دوائر صناعة القرار, والسؤال هو إلى أى مدى ستتأثر بها إدارة ترامب التى سبق أن صرحت بما يناقضها تماما؟
إلى الآن لم يطرأ تغيير فيما يتعلق بموقف الإدارة من مصر, ولكن بالقياس إلى مجمل مواقف الرئيس فإن الأمر قد يختلف, فترامب, الذى جاء من خارج المؤسسات السياسية التقليدية متمردا ثائراعليها سرعان ما بدأ يتغير ويصبح أكثر اقترابا منها وتقييدا بما تراه وتمليه عليه, وهو ما يفسر كثيرا من مواقفه المتعارضة مع بعضها البعض لحد الازدواجية أحيانا, مثلا أصدر قرارات رئاسية فورية من بينها منع مسلمى بعض الدول من دخول الولايات المتحدة وتصدى له القضاء الأمريكى, أعلن بداية مرحلة جديدة من التعاون الوثيق مع روسيا التى فرضت عليها إدارة أوباما عقوبات شتى بعد احتلالها جزيرة القرم فى أوكرانيا، ثم لم يستطع أن يفعل شيئا بل أكدت مندوبة بلاده التى عينها بالأمم المتحدة أنها لن تُرفع ما لم تُعد موسكو الجزيرة, وبعدها دخل فى مواجهة مفتوحة مع إيران حليفتها الرئيسية فى المنطقة, هاجم الناتو ووصفه بالكيان العتيق وفى أول زيارة لرئيسة وزراء بريطانيا لواشنطن صرح بعكس ما قاله, زعم بأن «أمريكا أولا» ولن تغامر بتدخلات خارجية وبعدها كان الأسرع بين الرؤساء الأمريكيين فى توجية ضربة عسكرية للنظام السورى, توعد المكسيك بإرغامها على بناء سور على الحدود وتحمل نفقاته بالكامل ثم تبدل الحديث إلى تكاليف مشتركة, انتقد سلفه حينما اتخذت إدارته موقفا ضد الاستمرار فى سياسة الاستيطان الإسرائيلية وعاد أخيرا ليصرح بمثله. لذلك ليس علينا استباق الأحداث لكن فقط ننتبه لما قد يأتى.