جريدة الجرائد

المستجدات في اقتصاد النفط وتحديات الدول المنتجة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

وليد خدوري

هيمن النفط الخام على صناعة الطاقة العالمية طوال القرن العشرين. واعتمد اقتصاد الدول المنتجة على الريع النفطي في شكل شامل منذ منتصف القرن الماضي. وحاول عدد من الاقتصاديين العرب منذ ستيناته، لفت النظر إلى خطورة هذا الاعتماد الواسع على الريع النفطي من دون جدوى. لكن آن الاوان، بخاصة بعد الارتفاعات الهائلة لأسعار النفط إلى ما فوق 100 دولار للبرميل، ثم تدهورها إلى أقل من 30 دولاراً، وما تتركه تداعيات هذه التطورات السعرية من انعكاسات سلبية على اقتصادات الدول المنتجة، إلى الالتفات جدياً لفك الاعتماد الكلي على الريع النفطي، والتفكير بعمق باقتصاد متنوع للدول المنتجة.

بادرت الشركات النفطية الكبرى ودولها إلى التدخل في الصناعة للدفاع عن مصالحها منذ الحرب العالمية الأولى. واستمر نظام هيمنة الشركات المطلق حتى أوائل الستينات عندما حاولت شركات كبرى تغيير المعادلة السعرية لمصلحتها من دون استشارة الدول المنتجة، ما أثار ردود فعل سلبية من قبل وزير البترول السعودي عبدالله الطريقي وزميله الوزير الفنزويلي الفونسو بيريز اللذين قادا حملة في الدول المنتجة، تأسست على أثرها منظمة الاقطار المصدرة للنفط «أوبك» عام 1960 للدفاع عن مصالح الدول المنتجة. وبادرت دول الى تأميم الصناعة النفطية أو الحصول على حصص أكبر من النفط وتأسيس شركة نفطية وطنية. ثم بدأ الاستقطاب الرئيس ما بين الدول الصناعية المستهلكة والدول المنتجة.

تحركت الدول المستهلكة لتواجه المنظمة، وأسست «وكالة الطاقة الدولية» في 1974 للدفاع عن مصالح أعضائها ومراقبة سياسات «أوبك». لكن برز عامل جديد مؤثر في الأسواق، هو دور البورصات النفطية في نيويورك ولندن وسنغافورة. وارتفع حجم عقود البورصات ليزيد يومياً آلاف المرات عما تنتجه دول «أوبك». وهكذا ضغطت البورصات والمضاربات على الأسعار وسياسات المنظمة.

برزت تدريجاً عوامل أخرى مؤثرة، فقد أدى ارتفاع أسعار النفط من نحو ثلاثة دولارات للبرميل في أوائل السبعينات إلى أكثر من 30 دولاراً في أواخر العقد، ناهيك عن المقاطعة العربية كرد فعل على «حرب أكتوبر» 1973. وأدت هذه العوامل إلى بدء مسلسل الاستغناء التدريجي عن النفط الخام. وكانت أول خطوة في هذا المجال، استعمال الغاز في توليد الكهرباء، وبهذا خسر النفط حصة كبيرة من سوق الكهرباء لمصلحة الغاز.

شكلت مسألة الاحلال التدريجي للغاز محل المنتجات النفطية في سوق الكهرباء، الخطوة الأولى في المسلسل الجديد من التحديات للنفط. ويختلف هذا المسلسل عن التحديات السابقة من نفوذ وضغوط الشركات والحكومات، فهو تحدٍّ مباشر في الأسواق بدلاً من الضغط السياسي.

وعلى رغم هذه التحديات استمر النفط مهيمناً على أسواق الطاقة حتى نهاية القرن العشرين. لكن بدأت تتزايد البدائل لتحل محله في أسواقه التقليدية. وشملت هذه الخطوات التي لعبت وكالة الطاقة الدولية دوراً مهماً في لفت النظر إليها ودرسها بتمعن ودقة، ناهيك عن وضع الأطر القانونية كي تلتزم أقطارها الأعضاء بتبني البدائل، من طاقة شمسية أو رياح واستعمال السيارة الكهربائية والهجينة. وساد الاهتمام العالمي بالبدائل خوفاً من الاحتباس الحراري والتلوث البيئي لزيادة ثاني أوكسيد الكربون بسبب زيادة عدد السيارات.

اهتمت منظمة «أوبك» بهذه التطورات التي واكبتها سلسلة من الحصار الدولي لصناعات النفط في إيران والعراق وليبيا، ما شكل بلبلة في النمو الطبيعي لصناعة النفط في الدول المعنية وترك آثاره على مداولات «أوبك». كما برزت «نظرية الذروة» التي تدعي أن الدول المنتجة لا تستطيع تلبية الطلب العالمي المتزايد على النفط. وارتفع سعر النفط الخام عن 100 دولار للبرميل.

برز تحدٍّ جديد أخيراً، يشكل سيفاً ذا حدين، وهو الإنتاج التجاري لكميات ضخمة من النفط الصخري في أميركا الشمالية، وإمكان إنتاج النفط والغاز الصخريين في دول أخرى لاحقاً. ويتوقع أن تملك الصين ثاني أكبر احتياط للغاز الصخري بعد الولايات المتحدة. وتعمل شركات كبرى («شيفرون» و «بي بي») في اكتشاف الحقول الصخرية الغازية في الصين وتطويرها. ويشكل النفط والغاز الصخري عاملين مهمين في إطالة عمر عصر الطاقة الهيدروكربونية، وفي الوقت ذاته تحدياً مهماً للنفط والغاز التقليدي، نظراً إلى الحجم الكبير للاحتياطات الصخرية، وعدم التزام شركاتها باتفاقات خفض الانتاج عند تواجد فائض في الأسواق، ومن ثم منافسة النفط التقليدي.

برز على أثر هذا، في مستهل القرن الحادي والعشرين، تحدٍّ من نوع جديد للدول المنتجة التقليدية. فهل من الممكن لاقتصادات الدول المنتجة الاستمرار في الاعتماد الشامل على إنتاج النفط أو الغاز مع التغيرات السعرية الضخمة بسبب النفط الصخري؟ وما هي سياسة حجم الإنتاج الواجب تبنيها؟ هل الأهم هو المحافظة على الأسواق أو إعطاء أولوية لصحة الاقتصاد المحلي واليد العاملة الوطنية والاستثمار في صناعات تستقطب العمال المحليين حيث يتزايد عدد الشباب العاطل من العمل؟ وما هو السعر المعقول الممكن استهدافه، والذي يفي بالالتزامات الحالية والمخططات الاقتصادية المنتجة المستقبلية والمدخرات للأجيال المقبلة؟ وهل من الممكن الاستمرار في السياسات الاقتصادية الحالية مع التقلبات الضخمة والسريعة في الأسعار، إضافة إلى شيوع الفساد الذي نخر المجتمعات الاقليمية؟ ناهيك عن ملايين النازحين واللاجئين الإقليميين.

إن الصورة القاتمة الحالية تستدعي سياسات نفطية واقتصادية جديدة وصعبة. فكيف سيتم التصرف بالريع النفطي؟ هل هناك مخططات وتصورات اقتصادية جديدة ومنتجة، وهل هناك تصورات لاستيعاب اليد العاملة المحلية؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف