جريدة الجرائد

التجاوب العربي مع التكامل السعودي المصري

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

 غسان الإمام   

المملكة العربية السعودية ومصر لهما اهتمامات أوسع من اهتمام أي نظام عربي في الرؤية والمسؤولية. فمع انتقال الثقل العربي السياسي والمادي إلى الخليج، باتت السعودية، في التقدير العربي والتعامل الدولي، كبرى الدول العربية في النفوذ والتأثير.
في تخطيط التكامل المصري السعودي، احتفظ العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز لمصر بمكانتها العربية والإقليمية، باعتبارها كبرى الدول العربية في الكثافة السكانية (90 مليون إنسان). ولتاريخها السياسي الحديث المتداخل، مع تاريخ الخليج والمشرق العربي، منذ جمال عبد الناصر.
في الصراع بين النظامين الملكيين العراقي والمصري على النفوذ في المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، تركت السعودية لمصر وجاهة التفاخر بتأسيس جامعة الدول العربية. ثم سلّمت بفوز مصر بالوحدة مع سوريا، كأمر واقع. ولا يمكن نسيان الدور القومي المشرف للعاهل السعودي فيصل بن عبد العزيز، في مصالحة جمال عبد الناصر بعد هزيمة النكسة (1967). فشاركت السعودية في تمويل إعادة بناء القوة العسكرية المصرية التي ألحقت هزيمة مريرة بإسرائيل، باستعادتها قناة السويس (1973).
ارتكب الرئيس السادات خطأ استراتيجيا كبيرا في الانسحاب من العرب. ثم نشأت علاقات صداقة شخصية وثيقة بين الرئيس حسني مبارك وزعماء الخليج، مع إعادة مصر إلى العرب والعروبة، من دون اتِّباع دبلوماسية عبد الناصر الشعبية. فلم يتجاوز مبارك كيان أي دولة عربية، وسيادتها، وشرعية نظامها، وصولا إلى إثارة مجتمعها.
كان لا بد من تغيير نظام الشيخ محمد مرسي «الإخواني» الذي تطاول على التعددية الحزبية. وعلى نهج قرنين من الزمان لزواج الأصالة والمعاصرة في الثقافة المصرية. وبات التغيير محتما، بعد رفض المصريين الانسحاب من العروبة، والتنسيق «الإخواني» المشبوه مع النظام الإيراني في صميم المنطقة العربية.
ولولا تأييد المجتمع المصري، لما نجحت المؤسسة العسكرية المصرية، بقيادة عبد الفتاح السيسي، في تغيير النظام «الإخواني» (2013). وعاد صندوق الاقتراع إلى إقامة نظام انتخابي شرعي، من دون الفوضى التي تصاحب أحيانا ديمقراطية الحرية.
ركز الرئيس السيسي جهد نظامه على الإصلاح الاقتصادي. لأنه أساس الاستقرار السياسي والازدهار الاجتماعي في أي بلد في العالم. وتجاوبت دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، مع دعوته لها لتمويل اقتصاد مصر والاستثمار فيه. وكان توجه السيسي إلى عرب الخليج مصداقا لاعتقاده، بأن التمويل العربي يجب أن يسبق التمويل الدولي، بشروطه القاسية في فرض التقشف على الميزانية المصرية التي تنوء، بفعل الدعم الحكومي المالي لأسعار السلع الشعبية الضرورية.
الجيش المصري ليس الجيش السوري. فهو نتاج مؤسسة مصرية عريقة متداخلة في صميم المجتمع المصري، بمؤسساتها الحربية. والاقتصادية. والإنتاجية للسلع الشعبية الرخيصة. الجيش المصري مؤسسة وطنية مستقرة. وليست مؤسسة انقلابية مشبوهة، كتلك التي تقصف شعبها في سوريا. وتسلم ميدانها العسكري، إلى كل من هب ودب من مرتزقة إيران في لبنان. والعراق. وأفغانستان الذين يذبحون السوريين، برضا وتسليم من نظام بشار الأسد.
من البديهي أن أي تعاون جاد بين الدول العربية يتجاوز العلاقة الدبلوماسية العادية، إلى تكامل سياسي، لا بد أن يتعرض في التفاصيل، إلى عنعنات الخصوصية المحلية التي حاولت عرقلة التكامل بين السعودية ومصر.
كان الفضل لوعي العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، في تجاوز سلبية تجاوز هذه الخصوصية. ومواصلة التكامل السياسي والاقتصادي مع نظام السيسي. لا أسمي التكامل «محورا» كذاك الذي كان قائما بين مصر. والسعودية. وسوريا. فلم يكن «حلف» الأسد الأب مع إيران يتطاول على «محوره» الأخوي مع العرب.
غدرت غفلة الابن بذكاء الأب. فقوَّض بشار «المحور» العربي الثلاثي، باستسلامه لمصالح إيران المذهبية والمصلحية في المنطقة العربية. في المقابل، تم تصعيد التكامل السعودي المصري ليؤدي دوره القومي، في مواجهة العدوان الإيراني على استقلال العرب، وتهديده النسيج القومي والديني للمجتمعات العربية في سوريا. والعراق. ولبنان. وفلسطين. والخليج.
هناك من يُتَّهم النظام المصري ظلما، بالتقصير في أداء دوره العربي؟! أعيد ذلك إلى متاعب مصر في معالجة وضعها الاقتصادي المزمن. وسلبية «الإخوان» التي أدت إلى تجنيد علاقتهم الممتازة مع تركيا وقطر ضد مصر السيسي. هذه السلبية ما لبثت أن حفّزت التنظيمات المتزمتة المقيمة لدى «حماس الإخوانية» في غزة، إلى التسلل المسلح في سيناء. وأتمنى أن يكون انسحاب «حماس» من «الإخوان» حقيقيا. فتضع حدا لوجود تنظيمات العنف الديني في غزة.
نظام إردوغان التركي ليس معاديا للعرب. التدخل التركي في سوريا والعراق يراعي مصلحة الكتلة العربية (السنية) المهددة بالتفتيت. والتقسيم. والتجزئة. إنها روسيا التي تحجب التكامل السعودي المصري، عن أداء دوره القومي في حفظ عروبة سوريا من مشاريع التوطين الإيرانية. وعن حماية الجناح الشرقي للأمة العربية الذي لم يعرف نظام صدام، بعناده وجهله، الدفاع عنه، بمصالحة مشتركة مع شيعة العراق وأكراده، تسبق الغزو الأميركي المدمر لعروبة العراق، وتسليمه لإيران.
لا استقرار لسوريا والعراق. ولا حلول أميركية وروسية سحرية ومفبركة، لتقسيمهما وتجزئتهما إرضاء لمطامع إيران والأكراد. العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز بادر إلى الدعوة لعقد قمة عربية إسلامية، لتعريف الرئيس الأميركي دونالد ترمب في زيارته المقبلة للخليج، بقضايا العرب والإسلام كقضايا عربية، وليست كقضايا جغرافية يمكن تقديم «تنازلات» فيها لأقوام عنصرية سكنت العالم العربي وتسامح العرب مع وجودها.
قطر تغلبت على عائق الجغرافيا، بأداء دور نافع في حل قضايا عربية كثيرة. النظام القطري حر في التقارب مع تركيا. لكن مبادرة شجاعة من مبادراته المفاجئة والذكية، كفيلة بالتجاوب مع الدور السعودي المدرك لأهمية التكامل الخليجي مع مصر، لاختصار أذى «الإخوان»، ولتجنب استخدام الفلسطينيين والمصريين، في إصدار صحف لمهاجمة مصر السيسي. فتعرقل أداء النظام القطري القومي. وتمنع أداء مصر لدور أكثر تفهما، لأذى نظام غادر بالعرب، كنظام بشار.. . . 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف