أميركا والسعودية: عودة العلاقات إلى مسارها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله ناصر العتيبي
الرجـــل الذي كان قبـــل أشهر قليلة يقول إنه سيمنع المســلمين من دخول أميركا جــاء إلـــى الريـــاض قبـــل يومــــين ليحــــاضر عن سماحة الإسلام العظيم أمام زعماء عدد كبير مـــن الدول الإسلامية. الرجل الذي قال لمحطة «سي أن أن» التلفـــزيونية في شهر آذار (مارس) الماضي إن الإسلام يكره الحضارة الغربيـــة عاد قبل أيام ليؤكد أن الإرهاب لا علاقة له بالإسلام وإنما هو شر محض لا يمكن ربطه بالدين أبداً.
ما الذي تغّير؟ ما هو الجديد الذي اكتشفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليغيّر موقفه من الإسلام والمسلمين؟
هل تراجع ترامب من تلقاء نفسه؟ أم خضع لعملية إقناع ممنهجة؟ أم أنها السياسة؟
الجواب في 3 كلمات معدودة: هكذا تتطلب السياسة!
موقف ترامب السابق من الإسلام كان موقفاً سياسياً خالصاً، والمواقف السياسية كما نعرفها تخضع لمؤشر المصالح، وبالإمكان الالتفاف حولها متى كان ذلك مناسباً، أو التراجع عنها متى سمحت الظروف.
على عكس موقف ترامب من الإسلام في منطقة الشرق الأوسط، كان موقف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، الذي كان موقفه من الإسلام موقفاً عقدياً خالصاً، وهذا ما جعل منه في الأشهر الأخيرة لولايته منظّراً دينياً وفيلسوفاً اجتماعياً!
أوباما كان يرى الصراع في الشرق الأوسط صراعاً طائفــياً قائماً على مرجعيات دينية لا يمكن تغييرها أو إلغـــاؤها، وبالتالي فحدود فهمه للاضطرابات في المنطقة ظلت معلقة بهذا الاعتقاد إلى الدرجة التي جعلته يقول في سنتــه الأخيرة في البيت البيض إن على السعودية وإيران أن تتقاسما النفوذ في المنطقة وأن تعيشا في سلام بارد! آمن أوباما والكثير من أركان إدارته بأن المنطقة تعيــــش نسخة محدثة من أوروبا المسيحية قبل 3 قرون، وأن التجاذبات السياسية هي في الحقيقة مجرد ارتدادات صغــيرة للاشتباك السني الشيعي الكبير! هذا الفهم المـــركّب وهذا الإيمـــان العميق بظاهر المشكلة في الشرق الأوسط ساهمـــا فـــي تعقيد المشهد من الداخل وتعبيد الطرق للجماعـات الخارجـة عن القانون للعب أدوار رئيسة في المنطقة بحجة أنها تمثـــل واقعاً دينياً لا يمكن تجاهله!
أوباما كان يرى أن الصراع في الأصل هو صراع ديني أنتــج صراعاً سياسياً. ومتى تم تقاسم النفوذ على أسس طائفيــة فسيعم سلام بارد لا يأتي بالحرب إلى كادر الصورة ولا يخرجها منها! أما ترامب، رجل الأعمال السياسي، فأعاد الصراع في المنطقة إلى حقيقته الأولى والمتمثلة فــي كونـــه صراعاً سياسياً في المقام الأول، وما الفوضى الطائفيـة والاستقطاب الديني اللذان يلتفان حول رقبة هذا الصراع إلا أدوات طارئة جاءت بها إيران لتحقيق أكبر قدر من المصالح السياسية!
ترامـــــب نقل فهم السياسة الأميركية من الاعتقاد بوجود معضلــــة دينــــية إلى الإيمان بوجود اشتباك سياسي لا أقل ولا أكــثر. كانت السعودية وإيران في كفتين متوازنتين في ميزان أوباما، وأصبحت إيران هي المتهمة الرئيس في عهد ترامب. أما لماذا؟ فلأن الوقع على الأرض يقول إن إيران تستغل المزاج الديني في المنطقة لتحقيق مصلحة سياسية عليا، ومن ذلك تبنيها عدداً غير قليل من الجماعات الشيعية الطائفية المسلحة في المنطقة، فيما تتعرض السعودية لإرهاب منتظم من الجماعات الإرهابية السنية!
ترامب أعاد «تقعيد» الواقع قبل مجيئه إلى الرياض، وعــــندما وطأت قدماه مطار الملك خالد والتقى الملك سلمان بن عبدالعزيز أدرك بالفعل أن هذا هو الظرف المناسب للإعـــلان عن تراجعه عن مواقفه السابقة ضد الإسلام، وأن لا وقت أفضل من هذا الوقت ليعلن فيه أن السعودية، الحليف الاستراتيجي القديم لأميركا في المنطقة، تعرضت لمظلمة أوبامية كبيرة، وآن الأوان اليوم لرفعها واستبعادها.