لاعبون... أم ممثلون؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بكر عويضة
لمجرد أن أشاد المخرج غاي ريتشي، بلعب أحد الممثلين في فيلم «الملك آرثر» دوره على نحو جيد، هاج عدد من نقاد السينما البريطانيين وسارعوا إلى شن هجمة ضد الممثل المقصود. بعد ذلك، انتقلوا للهجوم على ريتشي نفسه، كأنما الرجل ارتكب حماقةً ليست تُغتفر، أو كأنما النقاد أدرى بتقييم دور الممثل، أو الممثلة، من مخرج أو مخرجة فيلم ما. لن أجادل هنا في تفاصيل أمر لستُ على علم بأصوله، والمؤكد أن كلاً من الناقدين محمد رضا وطارق الشناوي، أقدر على طرق قضية العلاقة بين الناقد وفريق أي عمل سينمائي من منطلق الخبرة، فهما يمدان جمهور «الشرق الأوسط» بكل جديد في هذا الميدان. إنما ثمّ سؤال لم أستطع تجاوزه، عندما أثيرت الضجة الأسبوع الماضي، مع بدء عرض الفيلم: هل يستحق الأمر كل هذا الزعل من قِبل حضرات النقاد؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها من غيرة أو حسد، لمجرد أن المعنيّ بإشادة المخرج ريتشي، هو لاعب الكرة النجم ديفيد بيكام؟ للتساؤل ما يبرره، ذلك أن دور بيكام في الفيلم قصير، ومن الصعب تصوّر أن تقييم أدائه يستحق كل ما كيل إليه من نقد قاسٍ. ومع استبعاد أن يكون دخل النجم الكروي من دوره في الفيلم موضع الحسد وسبباً لاذعاً للنقد، فإن غيرة الأفراد إزاء ثروات غيرهم، جزء من الطبع البشري. وحسب صحيفة «الصن» اللندنية (عدد 9/ 12/ 2016) فقد فاق مجمل ثروة ديفيد بيكام وأسرته خمسمائة مليون إسترليني، العام الماضي، مما يجعل شبهة الغيرة والحسد محتملة، بصرف النظر عن جودة أداء الدور أو ضعفه.
ذكرتني القصة بسابقة عربية في الميدان ذاته، أعني سابقة مايسترو كرة القدم العربية صالح سليم (مرت هذا الشهر خمس عشرة سنة على رحيله)، الذي أطل عبر الشاشة الفضية في ثلاثة أفلام (السبع بنات، الشموع السوداء، الباب المفتوح)، ورغم توالي عروض عدة بعدها، فقد رفض قائلاً إن التمثيل ليس له. ذلك موقف عبّر في حينه، ولم يزل، عن قيمة حري بها أن توضع في اعتبار كل محترمٍ لمواقف كل منطلقٍ من خُلق مَضرب المثل في عدل الحكم، الخليفة عمر بن عبد العزيز، القائل: «رحم الله امرأً عرف قدر نفسه».
المقارنة بين سابقة الراحل صالح سليم السينمائية، والهجمة ضد ديفيد بيكام سينمائيًا كذلك، استحضرت بدورها حقيقة يصّر على تجاهلها كثيرون - خصوصًا في زمن فوضى معلومات، كثر فيها الخلط وانتشر اللغط، سواء في الغرب أو الشرق - خلاصتها أن العرب، يسندهم عمق العالم الإسلامي، كانوا دائمًا سباقين إلى تحذير العالم أجمع من خطورة فكر التطرف، المُوَلِّد الأول لشرور الإرهاب باسم الأديان كلها، لا الإسلام وحده.
لكل مقام مقال، كما قال العرب منذ قديم الأزمان، والمجال هنا ليس للولوج إلى ما هو مُوثق في القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، من رفض للغلو بأي شكل تلبّس، بما في ذلك العبادة، إلى حد عدّه من أشكال الخروج عن يسر الإسلام. إنما يكفي التذكير هنا بحقيقة كم صدعت بالتحذير أصوات عربية، قبل جريمة 11/ 9/ 2001 وبعدها، تنبّه عواصم الغرب بوجه محدد من خطر أن تمسي حواضنَ لدعاة الغلو والفكر المتطرف، بدعوى حماية حق حرية التعبير، حتى لو وقف بعضهم أمام الملأ يزعم أن الديار التي لجأ إليها هربًا مما ادعى أنه مطاردة بلاده له، هي «دار حرب». عندما بدأ إرهاب أولئك «الدعاة» يضرب على نحو بشع في شوارع عواصم الغرب، بدا كأن القوم صحوا على ما لم يسمعوا من قبل.
قصة اللاعب الممثل ديفيد بيكام، وما تعرض له من جانب النقاد، تنبش قصص لاعبين في مشارق الأرض ومغاربها، لهم فنون لعبهم خارج ساحات اللعبة الجميلة. أولئك يمارسون التمثيل أيضًا ويلعبون، أو الأصح أنهم يتلاعبون، بمصائر أجيال. تجدهم في ميادين لعب سياسية وإعلامية عدة، يبيعون الناس خيالَ أوهام بلا أرجل تقف عليها، لكن المأساة أن هناك من يُصدقهم، لأن الأغلبية، في مختلف الثقافات، يعجبها دائمًا مَن يسمعها ما يرضيها. تُرى، هل أن نجوم ساحات تلك الملاعب هم لاعبون أمْ ممثلون؟ الأرجح أن جلّهم نجح في الجمع بين المهارتين. إنما يبقى الأخطر بين هؤلاء، هم أولئك المتلاعبون بعقول مؤمنين ومؤمنات باسم الدين، أي دين. جريمة مانشيستر، ليل الاثنين الماضي، دليل آخر يضاف إلى سجل جرائم إرهاب الفكر المتطرف، لكن المؤسف حقاً أنه، على الأرجح، ليس آخر مآسيه.. .