ترمب وسيزيف الفلسطيني!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
راجح الخوري
لا يكفي أن يعلن دونالد ترمب أنه حصل على تعهد من محمود عباس وبنيامين نتنياهو، بدعم جهوده لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، فمثل هذا الكلام وهذه التعهدات عمرها أكثر من نصف قرن، لكنها انهارت دائماً تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي والتمادي في الاستيطان وتهويد أرض فلسطين، وتلاشت تحت وطأة العجز الأميركي عن إلزام إسرائيل بتنفيذ القرارات الدولية التي تحقق التسوية.
بعد لقائه مع نتنياهو واجتماعه مع عباس، لم يتناول الرئيس ترمب موضوع الدولتين، الذي يعني قيام دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل، كقاعدة واحدة ومنطلق للتوصل إلى تسوية سلمية تنهي نزاع القرن، الذي استهلك أربعة عقود من الجهود الدبلوماسية الأميركية الفاشلة.
مزاعم نتنياهو عن التعهدات ليست كافية، لأنها مجرد ذرّ للرماد في العيون والدليل أنه تعمّد يوم الأحد الماضي عشية وصول ترمب أن يعلن «أن القدس هي عاصمة إسرائيل الأبدية»، ما يعني أنه أراد قطع الطريق على كل حديث عن التسوية السلمية على أساس «رؤية الدولتين»، التي سبق أن تحدث عنها جورج بوش الابن، ثم جاء بعده باراك أوباما إلى القاهرة واعدا بتنفيذها، لكن نتنياهو تمكن من أن يلوي ذراعه داخل الكونغرس كما هو معروف، وها نحن أمام الوعد بتسوية تنهي الصراع في الشرق الأوسط مرة أخرى.
ليس كافياً أيضاً قول ترمب إنه سيبذل أقصى جهوده من أجل إطلاق عملية السلام المتوقفة ثلاثة أعوام، ربما لأن عليه أن يستعد لخوض معركة معقدة وصعبة جداً داخل المستوى السياسي في الولايات المتحدة، ويكفي في هذا السياق أن نتذكر معارك أوباما مع الكونغرس، الذي أفشل كل مساعيه لتحريك التسوية، وأن نتذكّر أيضا أن وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون جاءت تسع مرات إلى المنطقة، ثم جاء بعدها جون كيري 11 مرة ولم يتمكنا من وقف ولو جرافة إسرائيلية واحدة تردم بيتاً فلسطينياً فوق مقبرة التسوية المتهالكة.
فعلاً لا يكفي التفاؤل ولا الحصول على التعهدات الكلامية الإسرائيلية، فالمطلوب أن يستعدّ ترمب لخوض معارك طاحنة مع الكونغرس ووسائل الإعلام الأميركية، التي بدأت تنقضّ عليه منذ اليوم، لمجرد أنه يؤجّل تنفيذ الوعد الذي أطلقه في خلال حملته الانتخابية بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، ولمجرّد أنه رفض أن يرافقه نتنياهو في ذهابه إلى حائط المبكى رغم أنه وضع القلنسوة اليهودية على رأسه، لأن إداراته تعتبر أن المكان يقع تحت الاحتلال الإسرائيلي كما أعلن مرافقوه وهو ما يثير الآن زوبعة احتجاج ضده!
صحيح أن ترمب كان قد استقبل محمود عباس كرئيس دولة ووسط حفاوة واضحة في المكتب البيضاوي عندما زاره قبل أسبوعين، وصحيح أن ترمب سمع كلاماً حاسما وعميقاً من الملك سلمان بن عبد العزيز ومن الزعماء الذين حضروا القمة الأميركية العربية الإسلامية في الرياض، عن أهمية وضرورة حل القضية الفلسطينية على قاعدة إقامة الدولة الفلسطينية، لكن لا بد من المبادرة وممارسة أقصى ما يستطيع ترمب من الضغوط على إسرائيل لكي تستجيب لشروط التسوية العادلة.
على خلفية كل هذا كان من اللافت أن ترمب أبلغ محمود عباس خلال لقائهما في بيت لحم، أنه سيعلن مبادرة للسلام في غضون الأسابيع المقبلة، وكشفت مصادر دبلوماسية رافقت الرئيس الأميركي، أنه يقوم منذ فترة بالتعاون مع فريق عمله الذي يرأسه صهره جاريد كوشنير الذي كلّفه الاهتمام بالملف الإسرائيلي الفلسطيني، بعقد اجتماعات لدرس العناصر السياسية التي يفترض أن تقوم عليها هذه المبادرة التي يمكن أن يعلنها في خلال شهر.
لم يتوفّر الكثير من المعلومات عن هذه المبادرة، لكن التقارير الدبلوماسية أشارت إلى أنها تقوم على استراتيجية عنوانها «المقاربة المتدرجة للملفات المتصلة بالوضع النهائي» بمعنى أن كل ملف من هذه الملفات يدرس منفصلاً عن الملفات الأخرى، تلافياً للتشابك، الذي يمكن أن يعطل مسار البحث عموماً، وأنه بعد التوصل إلى تصورات مقبولة يمكن أن ترضي الجانبين، تبدأ على ما يفترض مرحلة الانخراط في «الصفقة التاريخية الكبرى» لإقرار التسوية وإرساء السلام في الشرق الأوسط.
هذه المعلومات تشكّل منطلقاً للرد على التساؤلات، التي رافقت زيارة ترمب ومحادثاته مع نتنياهو وعباس، وخصوصاً لجهة تعمّده عدم الإشارة أو التطرّق إلى طلبات إسرائيل نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة للدولة الإسرائيلية، ومن جهة ثانية عدم تطرقه أو تلميحه إلى حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وعدم إشارته إلى مسألة قيام الدولة الفلسطينية كأساس للحل، لكن كان من اللافت تركيزه في حديثه إلى الإسرائيليين على «أن الرئيس محمود عباس هو شريك حقيقي في صنع السلام».
تركيز ترمب كان على دعوة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى مواجهة القرارات الصعبة التي تتطلبها عملية تحقيق السلام، وأن ذلك يتطلب منهم التصميم وتقديم التنازلات المتقابلة على قاعدة الاعتقاد بأن من الممكن التوصل إلى اتفاق يحقق السلام بين الطرفين.
ترافق الحديث عن أن ترمب أبلغ عباس أنه سيعلن مبادرته للتسوية في خلال شهر، مع أنباء تحدثت عن أن مصدراً مقرباً من الرئيس الأميركي نقل عنه أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي احتضن القمة الأميركية العربية الإسلامية، ركّز في شكل خاص على أهمية وضرورة تحقيق السلام في الشرق الأوسط وشدد على وجوب استئناف مباحثات التسوية المتوقفة منذ عام 2014، وفي هذا السياق أشارت المعلومات إلى أنه من المتوقع تحديد موعد دولي لعقد مؤتمر للسلام في واشنطن في سبتمبر (أيلول) المقبل، وقد يكون برعاية أميركية سعودية مشتركة.
وعلى هذا يرى المراقبون أن التسوية يمكن أن تستلهم روح «المبادرة العربية للسلام» التي سبق أن أقترحها الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة بيروت عام 2002 والتي أقرتها القمم العربية التي عقدت تباعاً منذ ذلك العام، ومن المعروف أن إسرائيل رفضت هذه المبادرة دائماً، لأنها تدعو إلى قيام الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة، في حين رحّب بها المجتمع الدولي.
في أي حال من المعروف أن جيسون غرينبلات المبعوث الخاص للرئيس الأميركي زار المنطقة مرتين، لمناقشة أفكار تتصل بالتسوية التي سبق أن أشارت «واشنطن بوست» إلى أن جاريد صهر ترمب الذي يرتبط بعلاقات صداقة مع نتنياهو، يعمل على دفعها وهو الذي اقترح نظرية التتابع في بحث ملفات الحل النهائي: الحدود والأمن والعلاقات ومصير المستوطنات.
لكن كرة التحدي الحقيقية ستبقى في شباك الإدارة الأميركية، التي سيكون عليها دفع حجر سيزيف الفلسطيني عبر خوض معركة كبيرة مع نتنياهو وداخل المستوى السياسي والإعلامي الأميركي!. . . . .