العقل والمجد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
يقول الدكتور أنيس فريحة أستاذ اللغات السامية، إن العربية أغنى اللغات في المترادفات، لكنه يتساءل: هل في ذلك شيء من الفائض غير الضروري؟ لكل ساعة من ساعات النهار اسم، ولكل ليلة من ليالي القمر اسم، وللسنة 14 اسماً، والظلام 52 اسماً، وللسحاب 50 اسماً، وللمطر 64، وللماء 170، وللناقة 255، وللسيف أسماء لا تحصى «وللداهية المئات من الأسماء حتى قيل إن أسماء الدواهي من الدواهي»! وقد أحصى العالم الألماني هامر 5744 لفظة لها علاقة بالجمل.
لا يعدد الدكتور فريحة مترادفات الدواهي، لكنك تعثر على بعضها في «غرائب اللغة العربية» للأب رفائيل نخلة اليسوعي (دار المشرق): آزمة، اغوية، أغرة، أم اللهيم، أم صبار، أم صبور، أم طبق، أم قسطل، أم قشعم، بائقة، برحاء، خطب، دؤلول، روسم، زافرة، غماء، نطلاء، نازلة، الخ..
وتكثر عند العرب التعابير الدالة إلى الاغتياب، ومن جملتها، اعترض العرض، مزّقه، مرّغه، نهكه، هتّه، نحته، لاكه، قدح فيه، قام بفلان وقعد، استبرد لسانه عليه، جرّس به.
وفي العربية الاتباع، من أجل التشديد أو التوكيد: أريض عريض، ذهبوا اناديد وتناديد، أي متشتتين. بلقع سلقع، مكان قفر، ذهب دمه بضرا مضرا، أي هدرا. ثقيف لقيف، أي حاذق. ما ترك حاجة ولا داجة، ما ترك شيئاً. ما له حانة ولا آنة، ما له ناقة ولا شاة.
ويرى الدكتور فريحة أن العربية التي دخلت على معظم اللغات القديمة والحية بآلاف المفردات، أصيبت بالجمود في المراحل الأخيرة، لأن العرب كانوا بعيدين عن الاستنباطات العلمية. وهكذا، تجد مئات المترادفات لكلمة داهية، لكنك تستخدم «لغة» و«لسان» لترجمة عدة تعابير بالفرنسية والإنجليزية، كل منها يعني شيئاً مختلفاً تماماً.
ومن ملاحظاته أن العربي القديم كان يؤنث المفردات بلفظ مغاير للمذكر: رجل - امرأة - خروف – نعجة. حصان – فرس. أسد – لبؤة. لكن بعد زمن بدأ التأنيث الصرفي يجد مدخلاً إلى اللغة: لطيف – لطيفة، كبير – كبيرة.
وفي جماليات وتفوق العربية بالمقارنة مع الصينية مثلاً، أنا، يتغير إلى «ت» في أكلتُ، وإلى «ي» في أحبني، وفي كتابي مثلا. وإذا أكدنا، قلنا إياي، أما في الصينية فيقال: اكل أنا، أحب أنا، كتاب أنا، وفي حال التوكيد أنا أنا.
وتملك العربية طاقة كبرى على «التصعيد»، أي تجريد الصورة المادية ونقلها إلى صعيد معنوي. «فمن منا اليوم يقرن لفظة (العقل) بحبل الشعر الذي كانت تربط به رجل الجمل، من منا يقرن (المجد) بامتلاء بطن الدابة، والروح بالريح والهواء؟»..