اتفاق فيينا... بداية أم نهاية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
وائل مهدي
فيينا مدينة هادئة جدا ولطيفة ورومانسية، وعلى الرغم من هدوئها الفاتن فإنها تحتضن في الغالب كثيرا من الاجتماعات المليئة بالإثارة والتشويق لوجود كثير من المنظمات الدولية فيها من بينها وكالة الطاقة الذرية التي كانت طرفا في محادثات إيران النووية.
وفي فيينا لا يمل متابعو النفط من صحافيين ومحللين من الإثارة والتشويق، وإن كان ليس بصورة دائمة، حيث يحمل بعض اجتماعات منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) مفاجآت تغير شكل الاقتصاد العالمي، والبعض لا يعدو كونه اجتماعا روتينيا عاديا.
وهذا بالضبط ما كان عليه اجتماع «أوبك» الأخير يوم الخميس الماضي 25 مايو (أيار) الجاري، إذ كان اجتماعا عاديا لا يحمل كثيرا من المفاجآت للسوق، ولهذا عندما انتهى الاجتماع وتم الإعلان عن نتائجه انخفضت أسعار النفط بنحو 5 في المائة، بدلا من أن ترتفع تفاعلا مع إعلان «أوبك» والمنتجين خارجها عن رغبتهم في تمديد الاتفاق الذي وقعوه في ديسمبر (كانون الأول) لمدة تسعة أشهر أخرى تنتهي بنهاية الربع الأول من العام المقبل بدلا من ستة أشهر.
وقبل الحديث عن الأسباب التي جعلت الأسعار تهبط، لا بد من التذكير بأن اجتماع 25 مايو لم يكن اجتماعا واحدا بل كان اجتماعين، سبقتهم 4 اجتماعات للتحضير له، مما يعني أن هناك 6 اجتماعات في أسبوع واحد في فيينا لهدف واحد شبه معروف مسبقاً، وهو تمديد اتفاق خفض الإنتاج.
لقد شهدت فيينا في الأسبوع الماضي حركة كبيرة. لقد حضرت 24 دولة تقريبا للاجتماع، 13 منها من «أوبك» و11 منها من خارج «أوبك». وفي يوم الاجتماع انتقلت دولة من خارج «أوبك»، لتصبح العضو رقم 14 في المنظمة وهي دولة غينيا الاستوائية.
وحول هذه الدول كان هناك كثير من ممثلي الشركات الدولية ومعهم كثير من المحللين والمراقبين. لكن الحضور الذي لم يتحدث عنه أحد كثيرا كان لشركات النفط الصخري أو بعض الشركات والمصارف المرتبطة وبيوت الاستشارات المرتبطة بها.
ففي يوم الجمعة السابق للاجتماع، التاسع عشر من مايو، حضر إلى مبنى «أوبك» في فيينا مارك بابا الرئيس السابق لشركة «إي أو جي» الذي يعرف في الولايات المتحدة باسم «أبو النفط الصخري»، لأن شركته السابقة كانت من المؤسسين للصناعة.
لقد جاء بابا ليشرح للجنة «أوبك» الاقتصادية حقيقة وضع النفط الصخري وتطوراته. لقد كان هذا اللقاء هو الأبرز والأهم، لكنه كان خلف جدران المنظمة في غرفة مغلقة بعيدا عن أعين الإعلام.
وجاء لقاء بابا مع مسؤولي لجنة «أوبك» الاقتصادية الثلاثة عشر الذين يعرفون باسم الممثلين الوطنيين في «أوبك»، كهدية من السماء، والسبب في ذلك أنهم اطلعوا على عالم بعيد عنهم جغرافيا، ولكنهم يتفاعلون ويعيشون معه يوميا على شاشات الأجهزة التي تنقل أسعار النفط وتظهر انخفاضه وصعوده تفاعلا مع أخبار شركات النفط الصخري.
وأعطى بابا لمسؤولي «أوبك» الأمل بأن منظمتهم تسير على المسار الصحيح، وأنها لن تضعف وتموت كما يروج كثيرون ذلك في الولايات المتحدة. حيث قال بابا للجميع إن «النفط الصخري لن يكون منافسا لهم على المدى المتوسط، وستعود سيطرة (أوبك) قبل عام 2020 على السوق مجدداً».
لكن لا يبدو أن «أوبك» ستنتظر حتى ذلك الحين، بل إنها دخلت في تحالف جديد مع المنتجين المستقلين خارجها. هذا التحالف الذي سبقه ولادة «أوبك» جديدة في الجزائر في سبتمبر (أيلول) 2016 سيكون هو الخلاص الوحيد للسوق والمنظمة في العام المقبل.
لقد بدأ كل شيء كاتفاق بسيط لإعادة توازن السوق النفطية في الجزائر، وتوسع الأمر ليصبح اتفاقا يشمل المنتجين خارج «أوبك»، ويحل مكان اتفاق الدوحة الذي في فشل في أبريل (نيسان) من العام نفسه.
وبدلا من تخفيض الإنتاج لمدة ستة أشهر تنتهي في يونيو (حزيران)، أصبح هناك حاجة لتغيير الاتفاق الأساسي، وجعل التمديد لمدة 9 أشهر إضافية بدلا من ستة، وبذلك يكون مدة الاتفاق الأصلي 15 شهرا بدلا من 12 شهراً.
ويبدو أن وزراء «أوبك» والمنتجين خارجها استوعبوا الدرس جيدا، إذ إنهم اكتشفوا أن السوق قد تأخذ فترة أطول من المتوقع لكي تتوازن مرة أخرى. وصرح وزير الطاقة السعودي خالد الفالح ووزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك بأن المنتجين قد يأخذون خطوات إضافية لتأكيد استقرار السوق.
ومن بين الدروس الأخرى التي تعلمها الجميع إدراكهم لأهمية وجود جهة تنظيمية للسوق. وأصبحت هناك رغبة عند الوزراء لاغتنام فرصة التوافق بين المنتجين وتحويله إلى تحالف «مؤسساتي» يعيش لفترة أطول..
لا يوجد في السوق النفطية تحالف من هذا النوع، وما قد يبدو نهاية للاتفاق قد يكون بداية لقوى جديدة في السوق لا تنتهي بنهاية الأشهر التسعة بل تبتدئ معها. لكن هذا الأمر لن يكون سهلا، إذ إن الجميع تجمعهم الآن مصلحة واحدة، وهي الأسعار، وقد تختفي هذه المصلحة مع تحسن الأسعار ويعود كل إلى داره راضيا بحصته السوقية ومدافعا عنها. ولو أن المنتجين تعلموا من الماضي ودروسه لعرفوا أن التحالف هذا يجب أن يستمر، لأن النفط الصخري ليس كل التحديات التي ستواجه السوق النفطية مستقبلاً، بل هناك كثير من مصادر الإنتاج التي قد تدخل مع ارتفاع الأسعار إلى مستويات أعلى مستقبلاً.
نعود للحديث عن أسباب هبوط أسعار النفط بعد الاجتماع، والسبب في ذلك هو أن السوق كان قد سعر النتيجة (برميل النفط) مسبقا، إذ إن الوزراء روجوا لفترة الأشهر التسعة بصورة جعلتها شبه محسومة. وبما أنه لا توجد مفاجآت مثل زيادة المدى أو حجم التخفيضات فوق 1.8 مليون برميل يوميا فقد هبطت الأسعار.
لقد كان اجتماعا عاديا، لكن اجتماعات أوبك لا تخلو من مفاجآت، وهذه المرة كانت المفاجأة هي إقالة وزير الطاقة الجزائري نور الدين بوطرفة من منصبه خلال الاجتماع. بل إن الصحافيين خارج مبنى المنظمة عرفوا عن الخبر قبل أن يعرفه الوزير. لقد كان بوطرفة أحد الوزراء الذين كانوا وراء نجاح اتفاق الجزائر والتحالف مع خارج «أوبك». ورغم أنه لم يخفق في مهامه فإن حكومته تغيرت في الوقت الذي كان الاجتماع فيه في فيينا قائماً.